النشاط البدني والسرطان: وقاية، علاج، وحياة أفضل
يُعد النشاط البدني المنتظم ركيزة أساسية في نمط الحياة الصحي، وتؤكد الأبحاث العلمية دوره المحوري في كلٍ من الوقاية من السرطان وتحسين نتائج العلاج وجودة حياة المرضى والناجين.
1. النشاط البدني والوقاية من السرطان:
يُقلل النشاط البدني المنتظم من خطر الإصابة بأنواع عديدة من السرطان، مثل سرطان القولون والمستقيم، الثدي (خاصة بعد انقطاع الطمث)، بطانة الرحم، الكلى، الكبد، والمريء. وتعمل التمارين من خلال عدة آليات بيولوجية وفسيولوجية:
آليات الوقاية الرئيسية:
- إدارة الوزن: يساعد النشاط البدني في الحفاظ على وزن صحي، مما يقلل من خطر السمنة، وهي عامل خطر رئيسي لأكثر من 13 نوعاً من السرطان.
- التوازن الهرموني: يُساهم في تنظيم مستويات بعض الهرمونات، مثل الإستروجين والأنسولين وعامل النمو شبيه الأنسولين (IGF-1)، التي يمكن أن تُحفز نمو الخلايا السرطانية عند ارتفاعها.
- تقوية المناعة ومكافحة الالتهاب: يُقوي النشاط البدني الجهاز المناعي ويزيد من دوران الخلايا المناعية القاتلة في الدم، مما يعزز قدرة الجسم على اكتشاف وتدمير الخلايا السرطانية. كما أنه يقلل من الالتهاب المزمن، الذي يُعتبر بيئة خصبة لتطور الأورام.
- تحسين صحة الجهاز الهضمي: يُسرّع النشاط البدني من حركة الأمعاء، مما يقلل من الوقت الذي تبقى فيه المواد المسرطنة المحتملة على اتصال ببطانة القولون والمستقيم.
- دعم إصلاح الحمض النووي (DNA): يعزز النشاط البدني الآليات الخلوية المسؤولة عن إصلاح الأضرار في الحمض النووي، مما يقلل من احتمالية حدوث الطفرات التي قد تؤدي إلى الإصابة بالسرطان.
2. النشاط البدني أثناء وبعد علاج السرطان:
بالنسبة لمرضى السرطان والناجين منه، لم يعد النشاط البدني يُنظر إليه على أنه خيار ترفيهي، بل أصبح عنصرًا أساسيًا موصى به في بروتوكولات العلاج والرعاية التأهيلية، لدوره الكبير في تحسين جودة الحياة ونتائج العلاج.
فوائد شاملة للمرضى والناجين:
- مكافحة الإرهاق المرتبط بالسرطان: يُعد الإرهاق المزمن والشديد الذي لا يزول بالراحة من أكثر الآثار الجانبية شيوعًا. النشاط البدني الخفيف إلى المعتدل هو أفضل علاج غير دوائي له، حيث يزيد من تدفق الدم والأكسجين إلى الجسم ويحسن كفاءة الخلايا المنتجة للطاقة.
- تحسين جودة الحياة والصحة النفسية: يساهم النشاط في تقليل أعراض الاكتئاب والقلق والتوتر، ويُحسّن من جودة النوم، ويزيد من القدرة على التفاعل الاجتماعي والشعور العام بالرفاهية.
- الحفاظ على القوة الجسدية: يساعد في الحفاظ على الكتلة العضلية وقوة العظام، خاصةً أن بعض العلاجات قد تسبب فقداناً في العضلات وهشاشة العظام.
- تخفيف الآثار الجانبية للعلاج: يخفف من آثار جانبية مزعجة مثل اعتلال الأعصاب الطرفية (تلف الأعصاب في الأطراف)، وضبابية الدماغ (تأثير سلبي على الإدراك والذاكرة)، كما يُحسّن من وظائف القلب والرئة.
- تحسين نتائج البقاء على قيد الحياة: أظهرت الدراسات أن النشاط البدني المنتظم يرتبط بانخفاض خطر عودة المرض (الانتكاس) وزيادة فرص البقاء على قيد الحياة، خاصة في سرطانات الثدي والقولون.
- تحسين التعافي الجراحي: ممارسة التمارين قبل الجراحة (التأهيل ما قبل الجراحة) تسرّع من التعافي، تقلل المضاعفات، وتقلل من مدة الإقامة في المستشفى.
3. توصيات ومبادئ النشاط البدني:
يجب على الجميع، وخاصة المرضى والناجون من السرطان، استشارة الطبيب المعالج أو اختصاصي العلاج الطبيعي قبل البدء أو تعديل أي برنامج رياضي للتأكد من ملاءمته للحالة الصحية الفردية، ونوع ومرحلة السرطان والعلاج.
الإرشادات العامة:
توصي الجمعيات الصحية العالمية البالغين بممارسة ما لا يقل عن 150 دقيقة أسبوعياً من النشاط البدني المعتدل الشدة (مثل المشي السريع)، أو 75 دقيقة أسبوعياً من النشاط البدني القوي (مثل الركض)، أو مزيج من الاثنين. بالإضافة إلى ذلك، يُنصح بإدراج تمارين القوة (المقاومة) التي تستهدف مجموعات العضلات الرئيسية في يومين على الأقل أسبوعياً.
نصائح لتطبيق النشاط البدني:
- ابدأ ببطء وتدريجياً: لا تضغط على نفسك في البداية. ابدأ بخطوات صغيرة، مثل المشي لمدة 5-10 دقائق يوميًا، ثم زد المدة والشدة مع تحسن لياقتك.
- كن مرناً: في أيام الشعور بالإرهاق الناتج عن العلاج، يمكنك خفض شدة التمرين أو الاكتفاء بالراحة، لكن لا تتوقف بشكل كامل ما لم يوجهك الطبيب.
- دمج الحركة اليومية: قلل من فترات الجلوس الطويلة وادمج الحركة في الأنشطة اليومية؛ استخدم الدرج بدلاً من المصعد، أو قم بالمشي أثناء المكالمات الهاتفية، أو اعمل على الوقوف بشكل متكرر.
- اختر الأنشطة الممتعة: ممارسة نشاط تستمتع به يزيد من احتمالية الاستمرار، سواء كان ذلك المشي في الطبيعة، أو السباحة، أو البستنة، أو تمارين اليوغا الخفيفة.
خلاصة القول: النشاط البدني هو عامل حماية قوي ضد السرطان، وأداة علاجية داعمة فعالة لمرضاه، حيث يُحسّن من قدرتهم على تحمل العلاج ويزيد من فرص التعافي والبقاء على قيد الحياة، ويعتبر وصفة صحية مجانية لجميع مراحل رحلة مكافحة السرطان.
