العلاقة العكسية بين اللياقة البدنية ومخاطر السرطان: دليل إرشادي حول الآليات الأيضية والهرمونية التي تفسر الحماية من سرطان القولون والمستقيم والثدي

النشاط البدني والسرطان: قوة الحركة في الوقاية

يُعد النشاط البدني المنتظم استراتيجية وقائية فعالة ومثبتة علمياً لتقليل خطر الإصابة بالعديد من أنواع السرطان. تُظهر الأدلة البحثية القاطعة أن إدراج الحركة في نمط الحياة اليومي لا يحسن الصحة العامة فحسب، بل يمثل خط دفاع قوياً ضد التحولات الخلوية السرطانية.


الدور الوقائي للنشاط البدني ضد السرطان:

يمكن للنشاط البدني أن يُسهم بفاعلية في الإقلال من خطر الإصابة بالسرطان، وقد تم توثيق هذه الفائدة بشكل خاص وواضح في أنواع شائعة من الأورام، أبرزها سرطان القولون وسرطان الثدي.


1. تقليل خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم:

تُظهر الدراسات الوبائية واسعة النطاق علاقة قوية وعكسية بين مستوى النشاط البدني وخطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم (Colorectal Cancer).

  • النسبة والفعالية: يُقدر أن خطر الإصابة بسرطان القولون ينخفض بنسبة تصل إلى 20% لدى الأشخاص الذين يمارسون النشاط البدني بانتظام مقارنة بأقرانهم الذين يتسمون بالخمول.
  • آليات الحماية: ترجع هذه الحماية بشكل أساسي إلى عدة آليات:
  1. تحسين حركة الأمعاء: يعمل النشاط البدني على تسريع مرور الطعام والمواد المتبقية عبر القولون، مما يقلل زمن تماس المواد المسرطنة المحتملة مع بطانة القولون.
  2. تنظيم الأنسولين وعوامل النمو: يساعد النشاط في تحسين حساسية الجسم للأنسولين، وبالتالي يقلل من مستويات هذا الهرمون وعامل النمو شبيه الأنسولين (IGF-1) في الدم، وكلاهما يمكن أن يحفز نمو الخلايا السرطانية.
  3. تقليل الالتهاب: يساعد النشاط البدني في تقليل مستويات الالتهاب المزمن في الجسم، والذي يُعتقد أنه يلعب دوراً مهماً في تطور سرطان القولون.

2. الحماية من سرطان الثدي:

يمثل النشاط البدني عاملاً وقائياً هاماً، خاصة بالنسبة للنساء في فترة ما بعد انقطاع الطمث (Postmenopausal)، حيث ترتبط مستويات الهرمونات بشكل وثيق بخطر الإصابة.

  • النسبة والتأثير: تشير الأبحاث إلى أن ممارسة النشاط البدني بانتظام قد يُقلل من خطر الإصابة بسرطان الثدي بنسبة تترواح بين 20% إلى 30%. وكلما زادت شدة النشاط ومدته، زادت قوة هذا التأثير الوقائي.
  • آليات الحماية الهرمونية والأيضية: تشتمل الآليات الوقائية في هذا السياق على:

  1. تنظيم هرمون الإستروجين: تُخزَّن غالبية هرمون الإستروجين بعد انقطاع الطمث في الأنسجة الدهنية. يساعد النشاط البدني في التحكم بالوزن وتقليل دهون الجسم، وبالتالي يقلل من مستويات الإستروجين المتداول في الدم، مما يقلل من التحفيز الهرموني للخلايا الثديية.
  2. إدارة الوزن: يحمي النشاط البدني من السمنة، التي تُعد عامل خطر مستقلاً لسرطان الثدي.
  3. تحسين وظيفة المناعة: يزيد النشاط البدني من قدرة الجهاز المناعي على مراقبة الخلايا الشاذة والقضاء عليها قبل أن تتطور إلى ورم خبيث.

في الختام، يؤكد هذا التوسع أن النشاط البدني لا يقتصر تأثيره على الحفاظ على اللياقة البدنية، بل هو تدخل صحي أساسي مدعوم بالأدلة يساهم بفاعلية في تقليل العبء العالمي للسرطان من خلال آليات بيولوجية دقيقة ومحددة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال