الميكروبيولوجيا الصناعية: من التخمر الميكروبي إلى التخلص الحيوي، استغلال الكائنات الدقيقة في إنتاج المواد المفيدة ومعالجة الملوثات

الميكروبيولوجيا الصناعية:

تُعد الميكروبيولوجيا الصناعية مجالًا حيويًا يعتمد على استخدام الكائنات الدقيقة، مثل البكتيريا والفطريات والخمائر، لإنتاج منتجات ذات قيمة تجارية. يركز هذا المجال على استغلال قدرات هذه الكائنات في عمليات حيوية دقيقة وموجهة.

التخمر الميكروبي:

التخمر الميكروبي هو أساس الميكروبيولوجيا الصناعية. تُستخدم هذه العملية في إنتاج مجموعة واسعة من المنتجات، مثل الكحولات، والمضادات الحيوية، والأحماض العضوية، من خلال تحويل المواد الخام العضوية إلى منتجات نهائية بواسطة الكائنات الدقيقة في ظروف بيئية متحكم بها. يمكن أن يتم التخمر في ظروف هوائية أو لا هوائية، حسب نوع المنتج والكائن الدقيق المستخدم.

إنتاج الكحولات والأحماض العضوية بواسطة الفطريات:

تُعتبر الفطريات، وخاصة الخمائر، من أهم الكائنات الدقيقة المستخدمة في الإنتاج الصناعي:

• إنتاج الكحولات: تُستخدم أنواع معينة من الخمائر، مثل خميرة الخبز (Saccharomyces cerevisiae)، في إنتاج الإيثانول (Ethananol) عبر عملية التخمر الكحولي. يُستخدم الإيثانول كوقود حيوي، وفي صناعة المشروبات، وكمذيب في الصناعات الكيميائية.
• إنتاج الأحماض العضوية: تُستخدم أنواع من الفطريات الخيطية، مثل فطر Aspergillus niger، في إنتاج أحماض عضوية مهمة، مثل حمض الستريك (Citric acid). يُستخدم هذا الحمض كمادة حافظة، ومعزز للنكهة في صناعة الأغذية والمشروبات، وفي صناعة المستحضرات الصيدلانية.

التخلص الحيوي من الملوثات:

تُساهم الفطريات في حل مشكلة التلوث البيئي من خلال عملية التخلص الحيوي (Bioremediation). تُستخدم هذه العملية لتنظيف التربة والمياه الملوثة بالمواد الكيميائية السامة. تتميز الفطريات بقدرتها على تحلل المركبات العضوية المعقدة، مثل المبيدات الحشرية والنفط، وتحويلها إلى مواد غير ضارة. تُستخدم هذه الطريقة كبديل صديق للبيئة للطرق الكيميائية والفيزيائية التقليدية.

السموم الفطرية وتأثيرها على الإنسان:

على الرغم من فوائدها، فإن بعض أنواع الفطريات تنتج مركبات سامة تُعرف باسم السموم الفطرية (Mycotoxins). تُعد هذه السموم من التحديات الرئيسية في صناعة الأغذية، وتؤثر على الإنسان بطريقتين:

• تأثير مباشر: يحدث عند استهلاك الأطعمة الملوثة مباشرة بالسموم الفطرية، مما يسبب أمراضًا حادة أو مزمنة. على سبيل المثال، يمكن أن يسبب الأفلاتوكسين (Aflatoxin)، وهو أحد أقوى السموم الفطرية، أضرارًا جسيمة للكبد وقد يؤدي إلى الإصابة بالسرطان.
• تأثير غير مباشر: قد تحدث هذه الآثار عند تعرض الحيوانات للسموم الفطرية في الأعلاف، ومن ثم تنتقل هذه السموم بشكل غير مباشر إلى الإنسان عبر المنتجات الحيوانية مثل الحليب واللحوم.

تتطلب السيطرة على السموم الفطرية مراقبة صارمة لجودة المواد الخام والمنتجات النهائية، بالإضافة إلى تحسين ظروف التخزين لمنع نمو الفطريات المنتجة للسموم.