اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD): نظرة شاملة وتفصيلية
اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) هو اضطراب عصبي نمائي مزمن يبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة، ويؤثر بشكل كبير على قدرة الفرد على التنظيم الذاتي والتحكم في الأفكار، والأفعال، والكلمات، والعواطف، وهي وظائف تُعرف مجتمعة باسم الأداء التنفيذي للدماغ. يُعرف هذا الاضطراب اختصاراً بـ ADHD (واستُخدم اسم ADD في الماضي للإشارة إليه).
طبيعة الاضطراب وانتشاره:
يواجه الأطفال المصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه صعوبات بالغة في التركيز وقد يظهرون مستويات مفرطة من النشاط والاندفاع. هذه الأعراض قد تكون شديدة لدرجة تعيق بشكل واضح دراستهم، علاقاتهم الاجتماعية، وحياتهم الأسرية.
إحصائيات وحقائق:
- يُعد اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه شائعًا، حيث يُقدر أن حوالي 1 من كل 20 شخصًا يعاني منه.
- يُلاحظ شيوع أكبر للاضطراب بين الذكور مقارنة بالإناث.
- بالنسبة لغالبية الأطفال المصابين (أكثر من 75%)، تستمر الأعراض في الظهور وتؤثر عليهم حتى مرحلة البلوغ.
تصنيف وأنواع اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه:
يُصنف اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه إلى ثلاثة أنواع رئيسية، بناءً على الأعراض السائدة التي تظهر على الفرد:
- النوع الغافل (نقص الانتباه السائد): يتميز بسهولة التشتت، والنسيان، والإهمال في التفاصيل، دون أن يكون مصحوبًا بفرط في النشاط أو الاندفاع الواضح.
- النوع المفرط في النشاط والاندفاع (فرط النشاط الاندفاعي السائد): يتميز بأعراض الاندفاع المفرط وعدم القدرة على الجلوس ساكنًا أو انتظار الدور، مع غياب أعراض الغفلة الشديدة.
- النوع المختلط/المجتمع: وهو الأكثر شيوعًا، ويجمع بين أعراض الغفلة وأعراض فرط النشاط والاندفاع معًا.
الأعراض التفصيلية لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه:
تنقسم الأعراض إلى مجموعتين رئيسيتين: أعراض الغفلة وأعراض فرط النشاط والاندفاع.
1. أعراض الغفلة (نقص الانتباه):
تتعلق هذه الأعراض بصعوبة الحفاظ على التركيز والتنظيم:
- الإهمال وعدم الدقة: عدم الانتباه للتفاصيل وارتكاب أخطاء إهمال متكررة في الدراسة أو العمل.
- صعوبة التركيز المستمر: تجربة صعوبة في الحفاظ على التركيز في الصف، أو أثناء القراءة، أو في المحادثات.
- تجنب المجهود الذهني: الميل لتجنب أو النفور من المهام التي تتطلب تركيزاً ذهنياً مستمراً (مثل الواجبات المنزلية المعقدة).
- مشاكل في التنظيم: صعوبة في تنظيم المهام، والأنشطة، والمقتنيات الشخصية، وإدارة الوقت.
- عدم إكمال المهام: صعوبة في اتباع التعليمات والميل للبدء في المهام دون إنهائها.
- النسيان والتشتت: النسيان المتكرر للمسؤوليات اليومية والمواعيد، وسهولة التشتيت بأي محفزات خارجية أو بأحلام اليقظة.
- فقدان الأشياء: فقدان الأغراض اللازمة للمهام أو الأنشطة بشكل متكرر.
- يبدو أنه لا يستمع: يظهر كأنه لا يستمع عندما يتم التحدث إليه مباشرة.
2. أعراض فرط النشاط والاندفاع:
تتعلق هذه الأعراض بالحركة المفرطة والسلوكيات المتسرعة:
- التململ والحركة: التلوي والتململ باليدين والقدمين، أو التمايل على المقعد.
- الحركة المفرطة: الركض أو التسلق في مواقف غير مناسبة، وعدم القدرة على الجلوس بهدوء في الأماكن المتوقعة لذلك (مثل الفصل).
- الإحساس بالقيادة بمحرك: التواجد في حالة حركة دائمة، كما لو كان الفرد "مدفوعًا بمحرك لا يتوقف".
- صعوبة اللعب بهدوء: المكافحة من أجل الانخراط في اللعب أو أداء الأنشطة بهدوء.
- التحدث المفرط: التحدث دون توقف.
- الاندفاع في الإجابة: طمس الإجابات قبل الانتهاء من طرح الأسئلة.
- مقاطعة الآخرين: مقاطعة المحادثات أو الألعاب أو الأنشطة، واستخدام أغراض الآخرين دون إذن.
- صعوبة انتظار الدور: يجد صعوبة بالغة في انتظار دوره في الصف أو الأنشطة الترفيهية.
الأسباب والعوامل المؤدية لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه:
لا يوجد سبب وحيد ومحدد لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، بل يُعتقد أنه ناتج عن تفاعل معقد بين عوامل بيولوجية وجينية وبيئية تؤدي إلى تغيرات في نمو ووظيفة الدماغ.
العوامل البيولوجية والجينية:
- الفسيولوجيا العصبية: أظهرت الدراسات وجود اختلافات في تشريح الدماغ، والنشاط الكهربائي، والتمثيل الغذائي لدى الأشخاص المصابين، مما يشير إلى ارتباط الاضطراب ببيولوجيا الدماغ.
- الوراثة: يُلاحظ أن اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه يسري غالبًا في العائلات، مما يدل على وجود عوامل جينية قوية، ويعمل الباحثون على تحديد الجينات المسؤولة.
العوامل البيئية المحتملة:
- تعاطي المواد أثناء الحمل: يرتبط تدخين الأم أو تعاطيها للكحول أو الكوكايين أثناء الحمل بزيادة خطر إصابة الطفل بالاضطراب.
- التعرض للسموم: أظهرت بعض الأبحاث أن التعرض للرصاص في مرحلة ما قبل المدرسة قد يزيد من احتمالية الإصابة بالاضطراب.
- إصابات الدماغ: رغم أن معظم حالات ADHD لا ترتبط بإصابات الدماغ، إلا أن بعض إصابات الدماغ قد تسبب سلوكيات مشابهة.
- عدم التعلق المبكر وصدمة الطفولة المبكرة: قد يؤدي عدم الارتباط العاطفي الكافي مع الوالدين أو مقدمي الرعاية في مرحلة الرضاعة، أو التعرض لصدمات في الطفولة المبكرة، إلى ظهور أعراض مشابهة، رغم أن هذه ليست هي الأسباب لمعظم حالات الاضطراب.
دور اضطرابات النوم:
- يمكن أن تسبب قلة النوم صعوبة في التركيز.
- يُحتمل أن يعاني حوالي ثلث الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه من انقطاع النفس النومي، ولكن العلاقة السببية بينه وبين الاضطراب لا تزال غير واضحة. الشخير المفرط قد يكون مؤشراً لانقطاع التنفس أثناء النوم ويجب تقييمه طبياً.
التشخيص والتقييم:
من الطبيعي أن يكون الأطفال نشطين أو مشتتين في بعض الأوقات. يتطلب تشخيص اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أن تكون مشاكل الانتباه وفرط النشاط شديدة ومستمرة لدرجة التدخل بشكل كبير في حياة الطفل اليومية وعلاقاته وقدرته على التعلم.
متى يجب استشارة الطبيب؟
- إذا كان القلق يساورك بشأن شدة الأعراض وتأثيرها على تعلم طفلك وعلاقاته، فالخطوة الأولى هي زيارة الطبيب العام.
- يجب إجراء تقييم مناسب لاستبعاد الأسباب الأخرى المحتملة للأعراض المشابهة، مثل المشاكل الصحية، أو العاطفية، أو صعوبات التعلم، أو قلة النوم.
معايير التشخيص:
- يتم التشخيص من قبل أخصائي مؤهل (مثل طبيب أطفال متخصص أو طبيب نفسي للأطفال) بناءً على إحالة من الطبيب العام.
يتطلب التشخيص توافر 6 أعراض أو أكثر من إحدى المجموعتين (أو كلتيهما) لمدة 6 أشهر على الأقل، على أن تكون هذه الأعراض:
- قد بدأت قبل سن السابعة.
- موجودة في أكثر من مكان (مثل المدرسة والمنزل).
- تسببت في إعاقة واضحة في الحياة اليومية.
- غير طبيعية بالنسبة لعمر الطفل ومستوى نموه.
- لا يمكن تفسيرها بشكل أفضل بوجود حالة صحية أو نفسية أخرى.
- لتشخيص الاضطراب لدى البالغين، يجب إثبات أن الأعراض كانت موجودة وبدأت في مرحلة الطفولة.
استراتيجيات العلاج والإدارة:
يتطلب علاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه خطة شاملة ومتعددة الجوانب ومصممة خصيصًا لتلبية احتياجات الطفل والأسرة.
العلاج السلوكي والنفسي (الخطوة الأولى):
- استراتيجيات الأبوة والأمومة الإيجابية: تُعد غالبًا الخطوة الأولى.
- الهيكل والروتين: الالتزام بالروتين اليومي، وتوفير قواعد وتعليمات واضحة وموجزة، مع استخدام الرسوم البيانية والقوائم لتسهيل التنظيم.
- التعزيز الإيجابي: تقديم الثناء والمكافآت والتعزيز الإيجابي للسلوكيات المرغوبة، وهو أمر بالغ الأهمية.
- التدخل المدرسي: التحدث مع المدرسة لوضع خطة وبيئة تعليمية مُعدلة لتمكين الطفل من التعلم بفعالية.
- العلاجات النفسية والسلوكية: مثل العلاج السلوكي، لمساعدة الطفل على تطوير مهارات استراتيجية لإدارة سلوكه والتعلم.
- الحفاظ على علاقات جيدة: دعم احترام الطفل لذاته وتشجيعه على التعاون.
العلاج الدوائي (عند الضرورة):
- إذا كان الاضطراب لا يزال يؤثر بشكل كبير على حياة الطفل بعد التدخلات السلوكية، فقد يُنظر في العلاج الدوائي تحت إشراف طبي.
المنشطات (Stimulants):
- أكثر الأدوية شيوعًا، وتعمل على تقليل فرط النشاط والاندفاع وتحسين التركيز والتحكم في الانفعالات بنسبة عالية من الحالات.
- الجرعات المستخدمة لا تسبب الإدمان ولا تسبب أعراض انسحاب.
- الآثار الجانبية المحتملة تشمل فقدان الشهية وصعوبة النوم.
- الأدوية غير المنشطة: تتوفر كبديل للأطفال الذين يعانون من آثار جانبية للأدوية المنشطة.
المكملات الغذائية:
- قد تساعد مكملات زيت السمك (أوميغا 3) في تحسين بعض الأعراض لدى بعض الأطفال، ولكن الأدلة العلمية على فائدتها الأكيدة لا تزال غير كافية. يجب استشارة الطبيب قبل تناول أي مكملات.
المضاعفات والنتائج طويلة الأمد:
قد يؤدي اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه غير المشخص أو غير المعالج إلى سلسلة من المشاكل والمضاعفات:
- مشاكل مصاحبة في الطفولة: غالبًا ما يعاني الأطفال المصابون من تأخيرات طفيفة في اللغة أو المهارات الحركية أو النمو الاجتماعي.
- مشاكل في المراهقة: قد تشمل الفشل الأكاديمي، صعوبات في القيادة، مشاكل في العلاقات مع الأصدقاء، السلوكيات الجنسية المحفوفة بالمخاطر، وتعاطي المخدرات.
الاضطرابات النفسية المصاحبة (Co-morbidities): هناك احتمالية عالية للإصابة باضطرابات أخرى مثل:
- اضطراب التحدي المعارض (ODD) واضطراب السلوك (CD).
- القلق والاكتئاب.
- إعاقات التعلم.
- اضطرابات التشنج اللاإرادي أو متلازمة توريت.
- اضطرابات النوم.
- تعاطي المخدرات.
- في مرحلة البلوغ: يمكن أن تظهر المضاعفات في شكل الاكتئاب، والقلق، ومشاكل في الأسرة وبيئة العمل.
لذلك، فإن الحصول على تقييم دقيق وتوفير الدعم والاستراتيجيات والعلاجات المناسبة في وقت مبكر أمر حيوي لضمان أفضل نتيجة ممكنة للطفل أو البالغ المصاب باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
