السيناريزين: الدواء متعدد الأوجه - آلية عمله كحاصر لقنوات الكالسيوم ومضاد للهيستامين ودوره المحوري في تثبيط الجهاز الدهليزي وعلاج الدوار

السيناريزين (Cinnarizine): حاصرات الكالسيوم ومضاد الهيستامين لعلاج اضطرابات التوازن

السيناريزين هو دواء متعدد الأوجه ينتمي إلى فئة مشتقات ثنائي فينيل ميثيل بيبرازين (Diphenylmethylpiperazine). يتميز بكونه من مضادات الهيستامين من الجيل الأول (التي تعبر الحاجز الدموي الدماغي) وفي نفس الوقت يعتبر حاصراً لقنوات الكالسيوم، مما يمنحه فعالية ممتازة في علاج الاضطرابات الوعائية والدهليزية (الخاصة بالتوازن).

أولاً: التركيب الدوائي والآليات البيولوجية المعقدة

تعتمد فعالية السيناريزين على تآزر ثلاثة تأثيرات بيولوجية رئيسية:

1. التأثير كحاصرة لقنوات الكالسيوم (Calcium Channel Blocker):

هذا هو الدور الأكثر أهمية في علاج الدوار:

• تثبيط الجهاز الدهليزي: يعمل السيناريزين بشكل أساسي على حجب قنوات الكالسيوم من نوع L (L-type) في الخلايا الحسية بالجهاز الدهليزي في الأذن الداخلية. هذا الحجب يقلل من تدفق أيونات الكالسيوم إلى الخلايا، مما يؤدي إلى تثبيط فرط الإثارة (Over-Excitability) للإشارات العصبية التي يرسلها الجهاز الدهليزي إلى الدماغ. هذا "التثبيط الدهليزي" هو ما يقلل من الإحساس بالدوار والدوران.
• تحسين الدورة الدموية الدماغية: يسبب حجب قنوات الكالسيوم استرخاء في العضلات الملساء لجدران الأوعية الدموية، مما يؤدي إلى توسع الأوعية الدموية (Vasodilation). هذا يحسن تدفق الدم والأكسجين إلى الدماغ، وهو مفيد بشكل خاص في حالات نقص التروية (Ischemia) أو اضطرابات الأوعية الدموية.

2. التأثير كمضاد للهيستامين (H1 Receptor Antagonist):

• تثبيط مركز القيء: يعمل كناهض لمستقبلات الهيستامين H1 في الدماغ، خاصة في منطقة مركز القيء (Vomiting Center) ومنطقة المستقبلات الكيميائية الزناد (Chemoreceptor Trigger Zone - CTZ). هذا يمنع إشارات الغثيان والقيء، وهي وظيفة حيوية في علاج دوار الحركة.
• التأثير المهدئ: كونه من الجيل الأول، فإنه يعبر الحاجز الدموي الدماغي، مما يفسر تأثيره المهدئ والمسبب للنعاس (Sedation).

3. تأثيرات أخرى (مضاد للدوبامين):

السيناريزين له أيضاً نشاط مضاد ضعيف لمستقبلات الدوبامين D2. يُعتقد أن هذا التأثير يساهم في فعاليته المضادة للقيء، ولكنه في الوقت ذاته يمثل آلية محتملة لظهور أعراض حركية غير مرغوب فيها (انظر قسم الآثار الجانبية).

ثانياً: الاستخدامات السريرية والتفاصيل الإكلينيكية لدواء السيناريزين

يُستخدم السيناريزين كدواء متعدد الأغراض لعلاج مجموعة من الاضطرابات التي تشمل مشاكل التوازن، والدورة الدموية، والغثيان المصاحب لها. يمكن تنظيم دواعي استخدامه والملاحظات المرتبطة بها على النحو التالي:

أ. علاج اضطرابات الجهاز الدهليزي والتوازن:

• يُعد السيناريزين علاجاً فعالاً لمجموعة من المشاكل المتعلقة بالتوازن والأذن الداخلية. ويشمل ذلك الدوّار (Vertigo) بجميع أنواعه، والأعراض المرافقة لـ مرض منيير (Ménière's Disease)، بما في ذلك نوبات الدوار الحادة، وطنين الأذن، والغثيان. كما أنه يُستخدم لتخفيف الأعراض المصاحبة لاضطرابات الأذن الداخلية الأخرى.

ب. مكافحة دوار الحركة:

• يعمل السيناريزين كإجراء وقائي وعلاجي لـ دوار الحركة (Motion Sickness). للمرضى الذين يخططون للسفر، من الضروري أخذ الجرعة الوقائية قبل ساعتين من بدء الرحلة لضمان وصول الدواء إلى ذروة تأثيره في الوقت المناسب.

ج. الاستخدامات الوعائية والخاصة بالدورة الدموية:

• بسبب خصائصه كحاصرة لقنوات الكالسيوم، يُستخدم السيناريزين أحياناً لتحسين أعراض اضطرابات الدورة الدموية الطرفية، حيث يساعد في توسيع الأوعية الدموية الدقيقة وتعزيز تدفق الدم في الأطراف.

د. الاستخدامات المزدوجة (المركبة):

• في بعض الحالات، يُستخدم السيناريزين في مستحضرات مركبة مع أدوية أخرى (مثل الدايمينهيدرينات) بهدف علاج الدوار الشديد. هذا المزيج يوفر تغطية شاملة تشمل تثبيط الجهاز الدهليزي ومكافحة القيء، مع الأخذ في الاعتبار أن التركيبة قد تزيد من تأثير النعاس.

ملاحظة هامة: يُشار إلى أن جميع هذه الاستخدامات يجب أن تتم تحت إشراف طبي متخصص لتقييم استجابة المريض وضبط الجرعات.

ثالثاً: الاعتبارات الدوائية والآثار الجانبية المتقدمة

1. الجرعة وطريقة الإعطاء:

• الشكل: أقراص فموية.
• التوقيت: يُفضل تناوله مع أو بعد وجبة الطعام لتقليل احتمال حدوث اضطراب في المعدة.
• ملاحظة خاصة: فترة نصف العمر (Half-life) للسيناريزين تتراوح بين 4 إلى 6 ساعات، ويستغرق حوالي 2 إلى 4 ساعات للوصول إلى ذروة تركيزه في البلازما.

2. الآثار الجانبية الحركية (Extrapyramidal Side Effects):

هذا الجانب مهم جداً في الممارسة السريرية:

• الخطر: يمكن أن يؤدي الاستخدام المزمن للسيناريزين، خاصة لدى كبار السن والنساء، إلى ظهور أعراض حركية غير مرغوب فيها مشابهة لمرض باركنسون (Drug-Induced Parkinsonism).
• السبب: يُعزى ذلك إلى خاصية الدواء المضادة للدوبامين التي قد تؤثر على مسارات الدوبامين في العقد القاعدية بالدماغ (Basal Ganglia).

3. التفاعلات الدوائية:

يجب تجنب أو مراقبة الاستخدام المتزامن مع:

• مثبطات الجهاز العصبي المركزي (CNS Depressants): مثل الكحول، والمهدئات، والمنومات، ومضادات الاكتئاب، حيث يؤدي التفاعل إلى زيادة تأثير التخدير والنعاس بشكل كبير.
• الأدوية ذات الخواص المضادة للكولين (Anticholinergic Drugs): حيث يمكن أن تزيد من الآثار الجانبية مثل جفاف الفم أو احتباس البول.

رابعاً: مكانة السيناريزين في الرعاية الصحية

السيناريزين هو دواء قديم ومعتمد منذ عام 1955، ولا يزال يحتل مكانة مهمة كخيار علاجي فعال ورخيص نسبياً للسيطرة على أعراض الدوار واضطرابات التوازن، مما يجعله جزءاً لا يتجزأ من الأدوية المتاحة في العديد من النظم الصحية العالمية.