الهيبارين كمضاد للتخثر: تحليل الآلية الجزيئية لتسريع نشاط مضاد الثرومبين الثالث ودوره الحاسم في تثبيط الثرومبين والعامل Xa لمنع التجلط

ما هو الهيبارين؟

الهيبارين (Heparin) هو دواء حيوي واسع الاستخدام يُصنف كمضاد للتخثر (Anticoagulant)، ويُشار إليه عادةً باسم "مميِّع الدم". يلعب دوراً حاسماً في منع تكوّن الجلطات الدموية وعلاج الأمراض الانسدادية التخثرية.

1. التعريف والتركيب الكيميائي:

• التعريف: الهيبارين هو مركب كيميائي ينتمي إلى فئة الغليكوزأمينوغليكان (Glycosaminoglycan)، وهو عبارة عن عديد سكر (Polysaccharide).
• الخصائص الكيميائية: يتميز جزيء الهيبارين بكونه الأكثر شحنة سالبة بين جميع الجزيئات الحيوية المعروفة، وهذه الكثافة السالبة العالية هي أساس فعاليته الدوائية.
• المصدر: يتم تصنيع الهيبارين للاستخدام الصيدلاني من الأنسجة المخاطية للحيوانات (مثل الخنازير أو الماشية).

2. آلية العمل (Mechanism of Action):

يعمل الهيبارين عن طريق التدخل في مسار التخثر، ولكن بخلاف الأدوية المذيبة للجلطات (كالـألتيبليز)، فإنه يمنع تكوّن الجلطات الجديدة أو امتداد الجلطات الموجودة بالفعل، ولكنه لا يحللها.

تتمحور آلية عمله حول بروتين طبيعي في الجسم يُسمى مضاد الثرومبين الثالث (Antithrombin $\text{III}$):

• الارتباط والتنشيط: يرتبط الهيبارين بمضاد الثرومبين III ويزيد من نشاطه بشكل كبير (حتى ألف مرة).

• التثبيط المعزز: يعمل مضاد الثرومبين III النشط والمُعزز بالهيبارين على تثبيط الإنزيمات الحيوية المسؤولة عن التخثر، وأهمها:

1. الثِرُومبين (Thrombin): يُعرف بالعامل IIa.
2. العامل Xa النشط: أحد عوامل التخثر الرئيسية.

• النتيجة: يؤدي هذا التثبيط السريع والفعال إلى إبطاء عملية التخثر ومنع تشكل جلطات جديدة أو نمو الجلطات الموجودة.

3. الاستخدامات الطبية (دواعي الاستعمال):

يُستخدم الهيبارين على نطاق واسع في الوقاية والعلاج من الحالات المرتبطة بالتجلط، ومن أبرز استخداماته:

• علاج ومنع الجلطات الوريدية: مثل الخُثار الوريدي العميق (Deep Vein Thrombosis - DVT) والجلطات المتجهة إلى الرئتين (الانسداد الرئوي - Pulmonary Embolism).
• الوقاية بعد الجراحة: لمنع تكون الجلطات لدى المرضى الذين يخضعون لعمليات جراحية أو المرضى الملازمين للفراش.
• أمراض القلب والشرايين: علاج الجلطات في الشرايين التاجية في حالات الذبحة الصدرية غير المستقرة، ومنع المزيد من التجلط بعد النوبة القلبية.
• الاستخدام التقني والمختبري:

1. يُستخدم كمانع للتجلط في أنابيب سحب عينات الدم.
2. يُستخدم أثناء عمليات غسيل الكلى (Dialysis)، والدورة الدموية خارج الجسم (Extracorporeal Circulation)، لمنع الدم من التخثر أثناء مروره في الآلات.
3. للحفاظ على سالكية القسطرة والأنابيب الطبية.

4. طرق الإعطاء والتصنيفات:

• طرق الإعطاء: يُعطى الهيبارين عن طريق الحقن، إما عن طريق الوريد (i.v.) بتسريب مستمر نظراً لعمر النصف القصير (حوالي ساعة ونصف)، أو تحت الجلد (s.c.) للجرعات الوقائية. لا يُعطى الهيبارين عن طريق الفم بسبب شحنته السالبة العالية وحجمه الجزيئي الكبير الذي يمنع امتصاصه من الجهاز الهضمي.
• أنواع الهيبارين:

1. الهيبارين غير المجزأ (Unfractionated Heparin - UFH): هو الشكل الأصلي ويتميز بتأثير سريع ولكنه يتطلب مراقبة مكثفة لاختبارات التخثر.
2. الهيبارين منخفض الوزن الجزيئي (Low Molecular Weight Heparin - LMWH): مثل الإينوكسابارين والنادروبارين. يُستخدم على نطاق أوسع حالياً لأن تأثيره أكثر قابلية للتنبؤ به ويتطلب مراقبة أقل، كما أن احتمال تسببه في نقص الصفائح الدموية يكون أقل.

5. الآثار الجانبية والاحتياطات:

أخطر الآثار الجانبية للهيبارين هي تلك المرتبطة بطبيعته كمضاد للتخثر:

• النزيف (Hemorrhage): هو الخطر الرئيسي، وقد يحدث نزيف غير اعتيادي يتطلب مراجعة فورية للطبيب.
• نقص الصفائح الدموية الناجم عن الهيبارين (Heparin-Induced Thrombocytopenia - HIT): وهو أحد التأثيرات الجانبية الخطيرة، حيث يتسبب الدواء في انخفاض حاد في عدد الصفائح الدموية.
• تفاعلات موضعية: قد تحدث أورام دموية في موقع الحقن (لذا يُمنع الحقن العضلي).
• الاستخدام أثناء الحمل: يُعتبر الهيبارين عموماً من مضادات التخثر المسموح بها أثناء الحمل لأنه لا يخترق المشيمة.