زملة توهم المرض والاضطراب الوهمي: تحليل مقارن للأوهام غير الغريبة والقلق الصحي المستحوذ في سياق الأمراض الذهانية

توهم المرض (Hypochondriasis):

توهم المرض، المعروف أيضاً بـ هوس المرض أو قلق المرض (Illness Anxiety Disorder)، هو حالة نفسية تتميز بـ اعتقاد راسخ ومبالغ فيه لدى المريض بأنه مصاب بمرض خطير أو عدة أمراض، لا سيما الأمراض الجسدية.

  • الاعتقاد الجارف بالمرض: يعيش المريض في حالة قناعة داخلية بأن جسده "مسكون بالأمراض" أو أن هناك علة خفية وكامنة تنتظره. هذا الاعتقاد يتجاوز مجرد القلق العادي على الصحة ليصبح هوساً مستحوذاً.
  • القلق المستمر والانشغال المفرط: يتغلغل القلق بشأن صحته في كل جوانب حياته، حيث تتشابك جميع أفكاره ومشاعره مع هواجس مستمرة حول حالته الصحية ومصيره وحياته بشكل عام. هذا الانشغال يصبح مركزاً يدور حوله وجوده اليومي.
  • التأثير على السلوك والمظهر: كنتيجة لهذا الانشغال الفكري الغامر، يبدو المريض غالباً ساهماً (شارد الذهن) وواجماً (حزيناً أو صامتاً). السبب الرئيسي وراء هذا المظهر هو أن عقله مشغول بـ أفكار غامرة ومُستهلكة للطاقة، لكنها في جوهرها ليست أفكاراً منتجة أو بناءة؛ بل هي حلقات مفرغة من القلق والتخوف.


الاضطراب الوهمي (Delusional Disorder):

الاضطراب الوهمي هو نوع من الأمراض العقلية الخطيرة التي تندرج تحت فئة "الذهان"، وهي الحالات التي يفقد فيها الشخص القدرة على التمييز بين ما هو حقيقي وما هو من نسج الخيال. هذا الاضطراب كان يُشار إليه سابقاً بـ "اضطراب جنون العظمة" (على الرغم من أن جنون العظمة هو أحد أنواع الأوهام).

السمة الأساسية: الأوهام غير الغريبة

السمة المميزة والرئيسية لهذا الاضطراب هي وجود الأوهام (Delusions)، وهي اعتقاد لا يتزعزع وغير قابل للتغير لدى الفرد بشيء غير صحيح أو لا أساس له من الصحة في الواقع.

  • طبيعة الأوهام (غير الغريبة): يتميز الاضطراب الوهمي بأن الأوهام التي يعاني منها الشخص هي غالباً أوهام "غير غريبة" (Non-bizarre). هذا يعني أنها تتعلق بمواقف أو أحداث يمكن أن تحدث نظرياً في الحياة الواقعية، حتى لو كانت غير صحيحة في حالة المريض.
  • أمثلة شائعة: قد تشمل هذه الأوهام الشعور بـ المتابعة (الاضطهاد)، أو الاعتقاد بـ التسمم، أو الشعور بـ الخداع أو التآمر ضده، أو الاعتقاد بأن شخصاً مشهوراً أو بعيداً يحبه (الوهم الشهواني).

الآلية والواقعية الظاهرية:

تنطوي هذه الأوهام عادة على سوء تفسير شديد للتصورات أو التجارب التي يمر بها الشخص. يرى المريض شيئاً أو يسمع شيئاً أو يتلقى تعليقاً عادياً، ثم يفسره على أنه دليل دامغ على صحة وهمه.

  • الحقيقة مقابل الوهم: على الرغم من أن الموقف المُتصوّر قد يبدو منطقياً في سياق الوهم، إلا أن المواقف تكون في الحقيقة إما غير صحيحة على الإطلاق، أو أنها مبالغ فيها للغاية لدرجة لا تتناسب مع الواقع الفعلي.

التكيف الاجتماعي والوظيفي:

أحد الفروق الملحوظة في الاضطراب الوهمي، مقارنة ببعض الاضطرابات الذهانية الأخرى (مثل الفصام)، هو أن الأشخاص المصابين يمكنهم في كثير من الأحيان الاستمرار في التواصل الاجتماعي والعمل بشكل طبيعي نسبياً، طالما أن الحديث أو الأنشطة لا تتعلق مباشرة بموضوع ضلالهم.

  • المظهر والسلوك: عموماً، لا يتصرف هؤلاء الأفراد بطريقة غريبة أو غريبة بشكل واضح للآخرين خارج نطاق موضوع الوهم.
  • متى يصبح الأمر معطلاً؟ على الرغم من هذا التكيف الجزئي، يجب الانتباه إلى أنه في بعض الحالات، قد يصبح الأشخاص منشغلين جداً بأوهامهم لدرجة أن هذا الانشغال يؤدي إلى تعطيل كبير في حياتهم الشخصية والمهنية والعلاقاتية.

الانتشار والتوقيت:

على الرغم من أن الأوهام هي عرض شائع لاضطرابات ذهانية أكثر انتشاراً (مثل الفصام)، إلا أن الاضطراب الوهمي بحد ذاته يعد اضطراباً نادراً إلى حد ما. وغالباً ما يحدث هذا الاضطراب في منتصف العمر إلى أواخره.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال