ما وراء الكدمات السطحية: تقييم الأطراف بعد الحوادث للكشف عن كسور العظام، وتلف الأوعية الدموية، وعلامات متلازمة الحيز الوشيكة

التقييم السريري لإصابات الرضوض بعد الحوادث: الأعراض والعلامات التحذيرية

تُعد الرضوض والكدمات (Contusions and Bruises) من أكثر الإصابات شيوعاً بعد الحوادث، سواء كانت حوادث سير، أو سقوط، أو اعتداء. في حين أن الكدمات السطحية قد لا تكون خطيرة بحد ذاتها، فإن وجود رضوض واسعة في مناطق حيوية مثل الوجه والصدر والأطراف يعد مؤشراً قوياً على أن قوة الصدمة كانت كافية لإحداث إصابات داخلية خطيرة ومهددة للحياة تتطلب تدخلاً طبياً عاجلاً.


أولا: تقييم إصابات الرأس والوجه بعد الرضوض

يمكن أن تشير الرضوض والكدمات في منطقة الوجه والرأس إلى إصابات خطيرة في الدماغ أو الهياكل العظمية الحساسة. يجب الانتباه إلى العلامات التحذيرية التالية:

إصابات الوجه والجبهة:

تظهر الأعراض السطحية عادةً على شكل كدمات وتورم (وذمة) وتشوهات واضحة في عظام الوجه أو الأنف. ومع ذلك، فإن هذه الإصابات قد تخفي كسوراً خطيرة في عظام الوجه يمكن أن تؤدي إلى انسداد في مجرى الهواء أو نزيف حاد.

علامات كسر قاعدة الجمجمة:

هناك علامتان كلاسيكيتان تشيران إلى احتمال وجود كسر في قاعدة الجمجمة، وهو وضع خطير يشير إلى تسرب دموي أو سائل دماغي شوكي:

  • عيون الراكون (Raccoon Eyes): ظهور كدمات سوداء حول العينين.
  • علامة باتل (Battle Sign): ظهور كدمات خلف الأذن على الناتئ الخشائي.

إصابات الأنسجة الرخوة والإدراك:

تظهر تمزقات ونزيف في الشفاه واللثة. يجب أيضاً افتراض وجود إصابات في الرقبة والحبل الشوكي حتى يتم استبعادها. أما الأعراض الإدراكية، فتشمل الصداع، والغثيان والقيء، وفقدان الوعي المؤقت أو المتأخر، وكلها علامات على إصابات الدماغ الرضية (TBI) مثل الارتجاج، أو النزيف داخل الجمجمة.


ثانيا: تقييم إصابات الصدر (الجذع) بعد الرضوض: الأعراض والدلالات الخطيرة

تُعد أي إصابة رضية في منطقة الصدر مؤشراً خطيراً يتطلب تقييماً دقيقاً وفورياً، إذ أنها قد تهدد وظيفة القلب والرئتين بشكل مباشر. يتم تحليل الأعراض والعلامات التالية لتحديد الإصابات الداخلية الكامنة:

1. علامات الإصابات العظمية والرئوية:

تظهر الإصابات العظمية والرئوية في الصدر من خلال عدة علامات مميزة:

  • الألم والتورم: يشير الألم الموضعي والتورم، خاصة عند التنفس، إلى احتمال وجود كسور في الأضلاع (Rib Fractures).
  • التنفس غير الطبيعي أو غير المتزامن: يدل ضيق التنفس الحاد، أو التنفس السريع والضحل، أو الحركة المتناقضة وغير المتزامنة لجزء من الصدر، على احتمال وجود الصدر السائب (Flail Chest). هذه الحالة تنشأ عن كسر ثلاثة أضلاع متجاورة في مكانين على الأقل، مما يعيق ميكانيكية التنفس السليمة.
  • أصوات التنفس غير الطبيعية: يشير غياب أصوات التنفس في جانب واحد من الصدر إلى تجمع الهواء في التجويف الجنبي (استرواح الصدر - Pneumothorax) أو تجمع الدم (الصدر المدمى - Hemothorax). أما أصوات الطقطقة تحت الجلد (الكريبتاس) فتدل على وجود هواء تسرب من الرئة أو القصبات واستقر تحت الأنسجة.

2. علامات القصور القلبي والأكسجة:

تشير بعض الأعراض إلى تأثير الإصابة الرضية على القلب والأكسجة:

  • علامات الصدمة القلبية: تتمثل في انتباج الأوردة الوداجية في الرقبة، واضطراب النبض، والانخفاض المفاجئ في ضغط الدم. هذه الأعراض قد تشكل ثلاثية بيك (Beck's Triad)، وهي علامة كلاسيكية تدل على السطام التاموري (Cardiac Tamponade) (تجمع الدم حول القلب)، أو قد تشير إلى ارتجاج القلب (Cardiac Contusion).
  • الزرقة: يدل تحول لون الجلد والشفتين إلى الأزرق أو الرمادي على نقص حاد في الأكسجة، ويشير إلى قصور رئوي أو قلبي حاد يتطلب تدخلاً فورياً.

الخلاصة: يجب التعامل مع أي رضوض في الصدر كحالة طارئة حتى يتم استبعاد الإصابات المهددة للحياة المتمثلة في كسور الأضلاع المعقدة، ومضاعفات استرواح الصدر، وأي شكل من أشكال الصدمة القلبية الناتجة عن الرض.


ثالثا: تقييم إصابات الأطراف بعد الرضوض: الأعراض والدلالات السريرية

تُعد إصابات الأطراف (الذراعين والساقين) شائعة بعد حوادث الرضوض، ورغم أنها أقل تهديداً مباشراً للحياة من إصابات الرأس أو الصدر، إلا أنها قد تؤدي إلى إعاقات دائمة أو حالات حادة إذا لم يتم التعرف عليها ومعالجتها فوراً.

أ. علامات الإصابات الهيكلية والنزيف الداخلي:

يجب تقييم الأطراف بحثاً عن علامات التلف الهيكلي والنزيف:

  • الرضوض والكدمات والتورم: يشير التورم الواسع وتغير لون الجلد إلى تلف في الأنسجة الرخوة أو نزيف عضلي داخلي (Intramuscular Bleeding).
  • التشوه الواضح: يدل التواء أو قصر غير طبيعي في الطرف، مع عدم قدرة المصاب على الحركة أو تحميل الوزن، على وجود كسور في العظام (Bone Fractures) أو انخلاع في المفاصل (Joint Dislocation).
  • النزيف الخفي: النزيف الداخلي الكبير في عضلات الفخذ أو الحوض قد لا يكون مرئياً، ولكنه قد يؤدي إلى فقدان كمية كبيرة من الدم داخلياً، مما يسبب صدمة نقص حجم الدم (Hypovolemic Shock).

ب. علامات تهديد حيوية الطرف (Viability):

بعض العلامات تشير إلى خطر فقدان الطرف بسبب مشكلة في الدورة الدموية أو الضغط:

  • برودة الأطراف وشحوبها: يشير ضعف أو غياب النبض الطرفي، المصحوب ببرودة وشحوب ملحوظين في الطرف المصاب، إلى إصابة الأوعية الدموية الرئيسية. قد يعني ذلك تمزقاً أو انسداداً شريانياً يهدد حيوية الطرف بسبب نقص التروية الدموية.
  • الألم الحاد والمتزايد (متلازمة الحيز): يدل الألم الشديد الذي لا يهدأ بالمسكنات أو الرفع، والمصحوب بتوتر وصلابة في العضلات، على متلازمة الحيز (Compartment Syndrome). هذه حالة طبية طارئة جراحية تنتج عن ارتفاع ضغط الأنسجة داخل حيز عضلي مغلق، مما يعيق الدورة الدموية ويهدد بحدوث نخر في العضلات والأعصاب.

رابعا: الإجراءات الموصى بها في تقييم المصاب:

يجب على المستجيب الأول أو الكادر الطبي اتباع نهج منهجي عند التعامل مع مصاب الرضوض، مع الأخذ في الاعتبار أن الإصابات الداخلية قد تتفاقم بسرعة:

  • تقييم المسلك الهوائي والتنفس (Airway and Breathing): ضمان أن مجرى الهواء مفتوح وأن التنفس فعال. إذا كانت هناك كدمات في الرقبة أو الصدر، يجب مراقبة التنفس عن كثب.
  • الدورة الدموية (Circulation): البحث عن علامات الصدمة (الجلد البارد، النبض الضعيف، انخفاض ضغط الدم) والسيطرة على أي نزيف خارجي واضح.
  • العلامات الحيوية: قياس النبض وضغط الدم ومعدل التنفس، مع البحث عن العلامات الكلاسيكية للصدمة الانسدادية (مثل انتباج الأوردة الوداجية).
  • تثبيت العمود الفقري: نظراً لوجود رضوض في الوجه والصدر، يجب تثبيت الرقبة والعمود الفقري بشكل استباقي لتجنب أي ضرر إضافي للحبل الشوكي.

الخلاصة: لا ينبغي أبداً التقليل من شأن الرضوض والكدمات واسعة النطاق بعد وقوع حادث. فهي تشير إلى طاقة صدمة عالية، ويجب اعتبار أي مصاب يعاني من كدمات في الرأس أو الصدر معرضاً لخطر إصابة مهددة للحياة (نزيف داخلي، إصابة دماغية، أو قصور قلبي رئوي) حتى يثبت الفحص الطبي الشامل خلاف ذلك.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال