المحسسات (Allergens) والآلية المناعية لفرط الحساسية من النمط الأول:
تُعرف المحسسات (المستأرجات) بأنها مركبات غالباً ما تكون غير مؤذية بحد ذاتها، ولكنها تتميز بقدرتها الفريدة على تحفيز استجابة مناعية مفرطة لدى الأفراد المؤهبين وراثياً، مما يؤدي إلى رد فعل تحسسي (فرط الحساسية).
1. الخصائص الفيزيائية والكيميائية للمحسسات:
تتميز المحسسات بخصائص محددة تجعلها مثالية لاختراق الأغشية المخاطية وتنشيط الخلايا المناعية:
- الوزن الجزيئي والذوبانية: غالباً ما تكون المحسسات مستضدات ذات وزن جزيئي صغير نسبياً وذوابة بشكل كبير، مما يسهل انتشارها ووصولها إلى الخلايا المناعية.
- الطبيعة الكيميائية: معظم المحسسات هي بروتينات، أو في بعض الأحيان تكون جزيئات صغيرة (نواشب - Haptens) محمولة على بروتينات ذاتية في الجسم.
2. الآلية المناعية لإنتاج الأضداد IgE:
تنفرد المحسسات بقدرتها على توجيه الاستجابة المناعية نحو مسار خاص يؤدي إلى إنتاج كميات هائلة من الأضداد من النوع IgE، وهي الأضداد المسؤولة عن التفاعل التحسسي الفوري:
أ. تحفيز الخلايا البائية وإنتاج IgE:
عندما تتعرض اللمفاويات (الخلايا B والـ T) للمحسس لدى شخص مستعد وراثياً (تأتبي)، يتم تحريض الخلايا B على بدء عملية التحول الصنفي (Isotype Switching). هذه العملية تحول الخلايا B من إنتاج الأضداد التقليدية (IgM) إلى إنتاج الأضداد النوعية ضد هذا المحسس.
ب. الدور المحوري للخلايا T المساعدة (Th)
يُعد إنتاج IgE عملية محكمة ومضبوطة بشدة بواسطة الخلايا T المساعدة (Helper T cells) والسيتوكينات (الرسائل الكيميائية) التي تطلقها:
التفعيل عبر (المحفز الرئيسي):
المحسسات تنفرد بقدرتها على توجيه الاستجابة المناعية نحو تفعيل الخلايا T المساعدة من النمط Th2. تقوم هذه الخلايا بإنتاج سيتوكينات محددة تلعب دوراً أساسياً في التحول الصنفي، أهمها:
- الإنترلوكين-4 () والإنترلوكين-13 (): هذان السيتوكينان هما المحفزان الرئيسيان اللذان يدفعان الخلايا B للتحول من إنتاج IgM إلى IgE.
- النتيجة: يؤدي هذا التفعيل إلى ارتفاع عيار IgE في دم الشخص التأتبي بآلاف المرات عن مستواه الطبيعي. يُعزى هذا الارتفاع الهائل إلى زيادة عدد خلايا Th2 النشطة.
التنظيم عبر (المثبط):
في المقابل، تعمل الخلايا T المساعدة من النمط Th1 كعامل منظم ومضاد للاستجابة التحسسية، حيث تنتج:
- الإنترفيرون-غاما (): يعمل هذا السيتوكين على منع وتثبيط عمل الإنترلوكين-4 (IL-4)، وبالتالي يكبح عملية التحول الصنفي ويقلل من إنتاج IgE.
3. الدور المحتمل للخلل في الخلايا التنظيمية:
يشير البحث العلمي إلى أن الخلل في وظيفة الخلايا المنظمة (Regulatory cells)، والتي عادة ما تحافظ على توازن الاستجابات المناعية، قد يكون عاملاً حاسماً في إحداث التأتب (Atopy). هذا الخلل يؤدي إلى سيادة وتغلب وظيفة خلايا Th2 على Th1، مما يسمح بزيادة إنتاج IgE وتطور الحساسية لدى الشخص المؤهب وراثياً.
باختصار، يمثل التفاعل بين المحسس والاستعداد الوراثي وتفعيل مسار Th2 السبب الجذري لفرط الحساسية من النمط الأول، حيث يؤدي إنتاج IgE إلى تحسس الخلايا البدينة (Mast Cells) وإطلاق الوسطاء الكيميائيين عند التعرض اللاحق للمحسس، مما ينتج عنه الأعراض التحسسية.