اضطرابات الجهاز الغُدِّي (الغدد الصماء):
يعتبر الجهاز الغددي، أو ما يُعرف بجهاز الغدد الصماء، أحد أهم الأنظمة الحيوية في جسم الإنسان. فهو المسؤول عن إنتاج الهرمونات التي تعمل كرسل كيميائية لتنظيم العديد من الوظائف الحيوية، مثل النمو، والتمثيل الغذائي، والمزاج، والتكاثر. عندما يحدث خلل في عمل هذه الغدد، تظهر اضطرابات قد تؤثر على جودة حياة الفرد.
1. دور الغدة النخامية: قائد الأوركسترا الهرمونية
تُلقب الغدة النخامية بـ "سيدة الغدد الصماء" أو "الغدة الرئيسية" لأنها تتحكم في معظم الغدد الصماء الأخرى وتنسق عملها. تقع في قاعدة الدماغ وتفرز هرمونات متعددة تحفز غددًا أخرى مثل:
- الغدة الدرقية: تُفرز الهرمون المحفز للدرقية (TSH)، الذي ينظم نشاط الغدة الدرقية.
- الغدد الكظرية: تُفرز الهرمون الموجه لقشر الكظر (ACTH)، الذي ينظم إنتاج هرمونات التوتر.
- الغدد التناسلية: تُفرز الهرمون المنشط للحويصلة (FSH) والهرمون الملوتن (LH)، اللذان يلعبان دورًا رئيسيًا في وظائف التكاثر.
- الغدة الكظرية: تفرز هرمون النمو (GH) الذي يؤثر على النمو والتمثيل الغذائي.
أي خلل في الغدة النخامية، سواء كان نقصًا أو زيادة في إفراز الهرمونات، يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات خطيرة في الجسم بأكمله.
اضطرابات رئيسية في الجهاز الغددي:
مرض السكري (Diabetes Mellitus):
يعتبر مرض السكري أحد أشهر اضطرابات الغدد الصماء وأكثرها شيوعًا، وينتج عن خلل في طريقة استخدام الجسم للسكر (الجلوكوز) للطاقة. والسبب يرجع إلى وجود مشكلة في هرمون الأنسولين، الذي تنتجه غدة البنكرياس.
- مرض السكري من النوع الأول: يحدث عندما يهاجم جهاز المناعة الخلايا المنتجة للأنسولين في البنكرياس ويدمرها. يتطلب هذا النوع حقن الأنسولين يوميًا للتحكم في مستويات السكر في الدم.
- مرض السكري من النوع الثاني: يحدث عندما يصبح الجسم مقاومًا للأنسولين أو لا ينتج ما يكفي منه. يرتبط هذا النوع غالبًا بالسمنة ونمط الحياة الخامل، ويمكن التحكم فيه من خلال النظام الغذائي وممارسة الرياضة والأدوية الفموية، وفي بعض الحالات، حقن الأنسولين.
أعراضه الشائعة: العطش الشديد، كثرة التبول، فقدان الوزن غير المبرر، والشعور بالإرهاق.
السمنة المفرطة (Obesity):
تعتبر السمنة المفرطة في حد ذاتها حالة مرضية معقدة، وتتأثر بشكل كبير بعمل الجهاز الغددي. إنها ليست مجرد مسألة سعرات حرارية، بل هي أيضًا نتاج اختلال في التوازن الهرموني. تلعب هرمونات مثل اللبتين (هرمون الشبع) والغريلين (هرمون الجوع) دورًا حاسمًا في تنظيم الشهية والتمثيل الغذائي.
- مقاومة الأنسولين: السمنة المفرطة هي أحد العوامل الرئيسية المؤدية إلى مقاومة الأنسولين، مما يزيد من خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.
- هرمون اللبتين: في حالات السمنة، قد يصبح الجسم مقاومًا لهرمون اللبتين، مما يؤدي إلى عدم الشعور بالشبع وزيادة تناول الطعام.
- الكورتيزول: يمكن أن يؤدي ارتفاع هرمون الكورتيزول (هرمون التوتر) إلى زيادة تراكم الدهون في منطقة البطن.
اضطرابات الغدة الدرقية (Thyroid Disorders):
الغدة الدرقية، التي تقع في الجزء الأمامي من الرقبة، تفرز هرمونات الثيروكسين (T4) وثلاثي يودوثيرونين (T3) التي تتحكم في معدل الأيض (التمثيل الغذائي) في الجسم. يؤدي الخلل في هذه الغدة إلى حالتين رئيسيتين:
- فرط نشاط الغدة الدرقية (Hyperthyroidism): يحدث عندما تفرز الغدة كمية زائدة من الهرمونات. يؤدي هذا إلى تسارع في وظائف الجسم، مما يسبب أعراضًا مثل:
- فقدان الوزن المفاجئ.
- تسارع ضربات القلب وخفقان.
- التعرق المفرط والعصبية.
- عدم تحمل الحرارة.
- قصور الغدة الدرقية (Hypothyroidism): يحدث عندما لا تنتج الغدة كمية كافية من الهرمونات. يؤدي هذا إلى تباطؤ في وظائف الجسم، مما يسبب أعراضًا مثل:
- زيادة الوزن غير المبررة.
- الشعور بالإرهاق والتعب.
- عدم تحمل البرودة.
- جفاف الجلد والشعر.
الخلاصة:
إن الجهاز الغددي هو شبكة معقدة ومتشابكة من الغدد والهرمونات، وأي خلل في جزء منها يمكن أن يؤثر على النظام بأكمله. فهم هذه الاضطرابات وعلاقتها ببعضها البعض، مثل العلاقة بين السمنة ومرض السكري أو بين الغدة النخامية والغدة الدرقية، يعد خطوة أساسية نحو التشخيص والعلاج الفعال. إن اتباع نمط حياة صحي، بما في ذلك النظام الغذائي المتوازن وممارسة الرياضة، يساهم بشكل كبير في الحفاظ على توازن الجهاز الغددي والوقاية من العديد من هذه الاضطرابات.
