الكواشيوركور (Kwashiorkor): الشكل الحاد لعوز البروتين وسوء التغذية لدى الأطفال
يُعد مرض الكواشيوركور شكلاً حاداً وخطراً من أشكال سوء التغذية البروتينية والطاقية (Protein-Energy Malnutrition - PEM)، ويُمثل بالأساس حالة من عوز البروتين الحاد (Severe Protein Deficiency). يختلف هذا المرض عن سوء التغذية الهزالية (Marasmus) في أعراضه السريرية البارزة، خاصةً الوذمة.
أولاً: الفئة العمرية المعرضة لخطر الإصابة وتوقيت الحدوث
يستهدف الكواشيوركور تحديداً الأطفال في مرحلة النمو السريع وفترة الفطام، وتحدث الإصابة عادةً:
- الفئة العمرية الحرجة: غالباً ما يصيب المرض الأطفال في السن ما بين ستة أشهر إلى سنتين، وهي الفترة التي تتوقف فيها الرضاعة الطبيعية الكاملة ويتحول فيها الطفل للاعتماد على الغذاء التكميلي.
- مرحلة ما بعد الفطام: يمكن أن تستمر فترة الخطر حتى سن الخامسة. ويُلاحظ حدوث الإصابة بشكل متكرر في الأطفال الذين تتوقف أمهاتهم عن إرضاعهم بالكامل بسبب حدوث حمل جديد للأم، مما يضطر الطفل الأكبر سناً إلى التنافس على موارد غذائية قليلة الجودة.
ثانياً: الأسباب الرئيسية والآلية المرضية (Etiology)
ينتج الكواشيوركور عن مزيج من العوامل الغذائية والبيئية والصحية التي تؤدي إلى نقص حاد في البروتين:
1. نقص البروتين الغذائي (السبب المباشر):
يحدث المرض نتيجة لاستبدال البروتينات الضرورية في غذاء الطفل بوجبات تعتمد بشكل رئيسي على النشويات والسكريات (الكربوهيدرات). وتعود هذه الممارسة إلى:
- الجهل التغذوي: نقص الوعي لدى الأمهات بالأصول السليمة للتغذية المتوازنة للأطفال.
- الضائقة الاقتصادية: عدم القدرة على توفير مصادر البروتين الحيواني والنباتي ذات التكلفة العالية.
2. أهمية البروتين ووظائفه الحيوية:
البروتين ضروري لكل وظيفة حيوية في الجسم، حيث:
- بناء وإصلاح الخلايا: كل خلية في الجسم البشري تعتمد على البروتين في تركيبها وإصلاحها وتجديدها المستمر.
- النمو والتطور: للبروتين أهمية خاصة ومركزية للنمو السليم أثناء فترة الحمل والطفولة.
- الوظائف الأيضية: يدخل في تركيب الإنزيمات والهرمونات وعوامل النقل.
3. تطور المرض (الآلية):
عندما يفتقر الجسم البشري إلى الكمية الكافية من البروتين، فإنه:
- يوقف النمو: تُعطى الأولوية لوظائف البقاء على حساب النمو، مما يعيق ويوقف النمو الطبيعي للطفل (فشل النمو).
- انهيار وظائف الجسم: تبدأ وظائف الجسم الطبيعية في التدهور، وإذا استمر هذا العوز، تتطور الحالة إلى الصورة السريرية الكاملة لمرض الكواشيوركور.
4. العوامل المساعدة والبيئية:
غالباً ما يتطور المرض بسرعة عقب تعرض الطفل لحالات صحية تزيد من سوء التغذية وتستنزف مخزون البروتين القليل لديه، مثل:
- الإصابات المعدية: نزلة معوية حادة، أو نزلة شعبية، أو أي مرض معدٍ من أمراض الطفولة (كالحصبة، أو السعال الديكي). تؤدي هذه الأمراض إلى زيادة الحاجة للبروتين (للجهاز المناعي) وإلى سوء امتصاص للمغذيات.
ثالثاً: الأعراض السريرية المميزة لمرض الكواشيوركور
يتميز مرض الكواشيوركور بمجموعة من الأعراض السريرية الواضحة التي تعكس النقص الحاد في البروتين وتدهور وظائف الجسم الأساسية. وتشمل هذه الأعراض:
- الوذمة والتورم (Edema): تُعد الوذمة هي العلامة الفارقة والأكثر تمييزاً للكواشيوركور. يحدث تورم في الأنسجة، يظهر بشكل خاص وواضح في الكاحلين والقدمين والبطن. ينتج هذا التورم عن انخفاض مستويات البروتينات في الدم (مثل الألبومين)، مما يؤدي إلى تسرب السوائل من الأوعية الدموية.
- فشل النمو ونقص الوزن: يعاني الأطفال المصابون من فشل واضح في النمو أو فشل في زيادة الوزن، نظراً لتوقف أو تباطؤ بناء الخلايا والأنسجة بسبب نقص البروتين الأساسي.
- فقدان كتلة العضلات: يحدث ضمور واضح في الكتلة العضلية في جميع أنحاء الجسم، بالرغم من أن الوذمة قد تخفي أحياناً شدة هذا الهزال العضلي.
تغيرات في الجلد والشعر: تظهر تغيرات مميزة في المظهر الخارجي للطفل تشمل:
- تغير بنية ولون الشعر، حيث يصبح الشعر خفيفاً وهشاً وقد يتغير لونه إلى لون الصدأ (أحمر مائل للبني).
- تظهر تغيرات جلدية مثل التقشير والتصبغ.
- الإعياء وضعف النشاط: يعاني الطفل من إعياء وتعب شديدين، وغالباً ما يكون مصحوباً باللامبالاة والخمول.
- اضطرابات الجهاز الهضمي: يشيع حدوث الإسهال، الذي يزيد من تفاقم الحالة نتيجة لسوء الامتصاص وفقدان المزيد من المغذيات الحيوية.
- ضعف الجهاز المناعي: يؤدي نقص البروتين إلى خلل في إنتاج البروتينات المناعية، مما ينتج عنه ضعف شديد في الجهاز المناعي، ويجعل الطفل عرضة للإصابات المتكررة والخطيرة.
