بيتا ثلاسيميا الكبرى: من الجينات إلى المضاعفات
بيتا ثلاسيميا كبرى (Major Beta-Thalassemia) هي أحد أشد أمراض الدم الوراثية خطورة، وتُعرف أيضًا باسم فقر دم كولي (Cooley's Anemia). ينشأ هذا المرض من خلل جيني يؤثر على قدرة الجسم على إنتاج سلسلة بيتا من الهيموغلوبين، وهو البروتين المسؤول عن حمل الأكسجين في خلايا الدم الحمراء.
الآليات المرضية وتطور الأعراض:
تظهر الأعراض عادة في الأشهر الأولى من حياة الطفل. بدلاً من إنتاج هيموغلوبين طبيعي (Hemoglobin A)، يظل جسم الطفل يعتمد على الهيموغلوبين الجنيني (Hemoglobin F)، الذي لا يزال غير كافٍ. يؤدي هذا الخلل إلى:
- تكسر خلايا الدم الحمراء: الخلايا التي يتم إنتاجها تكون غير طبيعية وضعيفة، مما يجعلها تتكسر بسرعة كبيرة في الطحال. هذا التكسر المستمر يسمى انحلال الدم (Hemolysis)، وهو السبب الرئيسي لفقر الدم الحاد والمزمن الذي يعاني منه المريض.
- فقر الدم الشديد: نتيجة لتكسر الخلايا، ينخفض مستوى الهيموغلوبين بشكل كبير، مما يؤدي إلى أعراض مثل الشحوب، التعب الشديد، الضعف، وضيق التنفس.
- تضخم الطحال والكبد: يعمل الطحال بجهد كبير لإزالة خلايا الدم التالفة من الدورة الدموية، مما يؤدي إلى تضخمه بشكل ملحوظ (تضخم الطحال). ومع مرور الوقت، قد يتضخم الكبد أيضًا.
- تشوهات العظام: في محاولة لتعويض نقص خلايا الدم الحمراء، يقوم نخاع العظم بالتوسع بشكل مفرط. هذا التوسع يؤدي إلى تشوهات في عظام الوجه والرأس، مما يعطي مظهرًا مميزًا للمرضى.
مضاعفات تراكم الحديد:
إحدى أخطر مضاعفات بيتا ثلاسيميا كبرى هي تراكم الحديد في الجسم. يحدث هذا التراكم لسببين رئيسيين:
- تكسر خلايا الدم: كل خلية دم حمراء تحتوي على الحديد، وعندما تتكسر، يتم إطلاق هذا الحديد في الجسم.
- عمليات نقل الدم المتكررة: يعتمد المرضى على نقل الدم بشكل دوري (عادة كل 2-4 أسابيع) للحفاظ على مستويات الهيموغلوبين. كل وحدة دم منقولة تزيد من كمية الحديد في الجسم.
إذا لم يتم التحكم في هذا التراكم، يمكن أن يترسب الحديد في الأعضاء الحيوية، مما يسبب أضرارًا جسيمة:
- القلب: يؤدي إلى فشل القلب واضطرابات في نظم القلب.
- الكبد: يسبب تليفًا وتشمعًا في الكبد.
- الغدد الصماء: يؤثر على وظائف الغدد المسؤولة عن إنتاج الهرمونات، مثل الغدة النخامية والبنكرياس، مما قد يسبب مرض السكري أو تأخر النمو والبلوغ.
خيارات العلاج والوقاية:
العلاج الرئيسي لبيتا ثلاسيميا كبرى هو نقل الدم المنتظم، والذي يعتبر حجر الزاوية في إدارة المرض. لمواجهة مشكلة تراكم الحديد، يتم استخدام العلاج بالاستخلاب (Chelation Therapy)، حيث تُعطى أدوية تساعد الجسم على التخلص من الحديد الزائد.
في بعض الحالات، قد يكون زرع الخلايا الجذعية (Bone Marrow Transplant) خيارًا علاجيًا شافيًا، خاصة إذا تم العثور على متبرع مطابق.
تكمن الوقاية في الفحص الجيني قبل الزواج، خاصة في المجتمعات التي ينتشر فيها المرض، لتقليل احتمالية إنجاب طفل مصاب.
