تخليل الزيتون: أسرار العملية الكيميائية الحيوية ودور بكتيريا حمض اللبن في الحصول على منتج نهائي عالي الجودة

المراحل الميكروبيولوجية لعملية تخليل الزيتون:

تعتمد عملية تخليل الزيتون على تفاعلات بيولوجية دقيقة تتم على عدة مراحل، تؤدي في النهاية إلى تحويل الثمار الطازجة إلى منتج صالح للأكل ذي نكهة وقوام مميزين.


المرحلة الأولى: التفاعل الأولي وتنشيط البكتيريا

بعد وضع ثمار الزيتون في المحلول الملحي، ترتفع درجة الرقم الهيدروجيني (pH) للمحلول بشكل مؤقت. يعود سبب هذا الارتفاع إلى وجود بقايا الصودا الكاوية المستخدمة في معالجة الزيتون لإزالة مرارة الأوليوروبين.

خلال 48 إلى 72 ساعة، يبدأ الرقم الهيدروجيني في الانخفاض بشكل سريع ليقترب من 6. في الوقت نفسه، يقل تركيز الملح في المحلول بسبب امتصاص الثمار له، وهي ظاهرة تُعرف باسم الخاصية الاسموزية (osmosis).

في هذه المرحلة، تنمو أنواع مختلفة من الكائنات الدقيقة، أبرزها البكتيريا سالبة الجرام. يمكن الاستدلال على وجودها من خلال ظهور فقاعات ثاني أكسيد الكربون (CO2). من المهم ملاحظة أن بكتيريا حمض اللبن (Lactobacillus) لا تنشط بعد في هذه المرحلة.


المرحلة الثانية: سيطرة بكتيريا حمض اللبن

تبدأ هذه المرحلة الحاسمة عندما يصل الرقم الهيدروجيني إلى حوالي 6. هنا، تبدأ بكتيريا حمض اللبن بالنمو والتكاثر بسرعة كبيرة. في المقابل، تتراجع أعداد البكتيريا سالبة الجرام تدريجيًا حتى تختفي تمامًا.

تُنتج بكتيريا حمض اللبن حمض اللاكتيك (lactic acid) من خلال تخمير السكريات الموجودة في الثمار والتي انتشرت في المحلول الملحي. يؤدي هذا التفاعل إلى زيادة الحموضة في المحلول وانخفاض مستمر في الرقم الهيدروجيني. تُعتبر هذه العملية حجر الزاوية في التخليل، حيث أن الحموضة العالية تحافظ على جودة المنتج النهائي وتمنع نمو الكائنات الدقيقة الضارة.


المرحلة الثالثة: استقرار التخمير

تتميز هذه المرحلة باستمرار نمو بكتيريا حمض اللبن وبعض أنواع الخمائر. تستمر درجة الحموضة في الزيادة حتى يصل الرقم الهيدروجيني إلى 4 أو أقل. عند هذا المستوى من الحموضة، تتوقف عملية التخليل بشكل فعلي لأن البيئة تصبح غير مناسبة لمعظم الكائنات الدقيقة.

بعد هذه المرحلة، تُصبح ثمار الزيتون مخللة وجاهزة للمعالجة النهائية. مع مرور الوقت، قد تحدث تغيرات طفيفة في قوام الثمرة ولونها وطعمها، ولكن هذه التغيرات تُعتبر مقبولة وتدل على استمرار نضج المنتج.


توضيب وتسويق الزيتون المخلل:

بعد اكتمال عملية التخليل، تُجهَّز الثمار للتعبئة والتغليف، وهي عملية تشمل عدة خطوات لضمان جودة المنتج النهائية وتسويقه بفعالية.

أ. الفرز والتدريج:

تُعتبر هذه الخطوة أساسية لضمان جودة المنتج النهائية. يتم فرز الثمار يدويًا أو آليًا لإزالة أي ثمار تالفة، مجروحة، مصابة بالآفات، أو ذات لون غير مرغوب فيه. تُنتقى الثمار الجيدة فقط لتُدرَّج حسب الحجم باستخدام آلات خاصة، مما يضمن تجانس المنتج في العبوة.

ب. إزالة البذور وملء الثمار:

تُزال بذور الزيتون إما يدويًا أو بواسطة آلات متخصصة. بعد ذلك، تُحشى الثمار بمواد مختلفة لتحسين نكهتها ومظهرها، مثل شرائح الفلفل الحلو، البصل، الجزر، قشور البرتقال، أو حتى الأسماك المملحة والمحار. هذه العملية تُضفي قيمة إضافية على المنتج وتجذب المستهلكين.

ج. التعبئة والتغليف:

تُعبأ ثمار الزيتون في أوعية زجاجية أو بلاستيكية ذات أحجام محددة، ويُضاف إليها محلول ملحي بتركيز 6% مع القليل من حمض اللاكتيك (بنسبة لا تزيد عن 0.75%) للحفاظ على الحموضة. يتم ترتيب الثمار المحشوة بعناية داخل العبوة بحيث تكون الفتحة المليئة بالحشوة متجهة للأعلى والخارج لإعطاء مظهر جذاب.


تقنيات التعبئة:

  • التعبئة بالتفريغ: يُقفل الوعاء بعد تفريغه من الهواء، مما يمنع نمو الخمائر المسببة للأغشية ويعزز الحفظ.
  • التعبئة بالضغط الجوي العادي: تُملأ العبوات بالمحلول الملحي حتى الحافة، مما يمنع وجود أي فراغ هوائي.
  • البسترة: يلجأ بعض المصنعين إلى بسترة العبوات الزجاجية عند درجة حرارة 75-80°C لقتل الكائنات الميكروبية المتبقية ومنع تكون الرواسب.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال