مستقبل إيصال الأنسولين: تقييم جهاز الرزاز السريع الفموي ودراسة الأنسولين الأنفي الوقائي كبدائل غير اجتياحية لحقن السكري

تقنيات الأنسولين غير الحقني: بين البخاخ الفموي والرذاذ الأنفي الوقائي

يشهد البحث الطبي تطوراً مستمراً في إيجاد بدائل لحقن الأنسولين المؤلمة والمزعجة، حيث تركز الجهود الحالية على استغلال الأغشية المخاطية لامتصاص الأنسولين، سواء عن طريق الفم أو الأنف. يتناول هذا النص جهازيْن قيد الاختبار: الرزاز الفموي السريع و رذاذ الأنسولين الأنفي الوقائي، مع تحليل دقيق لنتائج الأخير.


أولاً: بخاخ الأنسولين الفموي (الرزاز السريع)

يتم حالياً اختبار جهاز جديد يُطلق عليه اسم "الرزاز السريع" (Rapid mist)، والذي يهدف إلى تبخير الأنسولين على شكل رذاذ ناعم جداً.

  • آلية العمل: يعتمد هذا الجهاز على توليد رذاذ الأنسولين ليتم امتصاصه مباشرة عبر الغشاء المخاطي داخل الفم، سواء من اللسان أو الحلق.
  • النتائج الأولية: تبدو النتائج الأولية لهذا الجهاز مشجعة فيما يتعلق بكفاءة هذا الأنسولين في خفض مستويات السكر في الدم.
  • الحالة الراهنة: هذا الجهاز لا يزال تحت الاختبار والتطوير، ولم يتم اعتماده بعد للاستخدام السريري.


ثانياً: رذاذ الأنسولين الأنفي والوقاية من السكري من النوع الأول

في سياق مختلف، ركزت دراسة حديثة على استخدام الأنسولين عن طريق الأنف ليس كعلاج يومي، بل كتدخل محتمل لوقف تطور مرض السكري من النوع الأول، الذي يُعد مرضًا مناعيًا ذاتيًا.

1. الهدف من الدراسة والفرضية العلمية:

  • مرض السكري من النوع الأول: يُعرف هذا النوع بأنه مرض مناعي ذاتي، حيث يهاجم الجهاز المناعي للجسم خلايا بيتا المنتجة للأنسولين في البنكرياس ويدمرها بالخطأ، مما يؤدي إلى ضعف السيطرة على سكر الدم.
  • الفرضية: استندت الدراسة إلى تجارب سابقة على الفئران أظهرت أن إعطاء الأنسولين عن طريق الفم أو الأنف يمكن أن يمنع الاستجابة المناعية ويحمي من الإصابة بالسكري من النوع الأول. سعت الدراسة البشرية إلى معرفة ما إذا كان الأنسولين الأنفي يمكن أن يوقف جهاز المناعة من قتل الخلايا المنتجة للأنسولين لدى مرضى شُخصوا مؤخراً بالمرض.

2. تصميم الدراسة ونتائجها:

  • نوع الدراسة: كانت تجربة معشاة ذات شواهد (RCT)، تُعد الأفضل لتقييم فعالية التدخلات الجديدة، حيث قورن الأنسولين الأنفي بدواء وهمي غير نشط.
  • مجتمع الدراسة: أُجريت الدراسة على البالغين الذين شُخصوا مؤخراً بنوع غير مألوف ومتأخر الظهور من السكري من النوع الأول لا يتطلب بعد حقن الأنسولين (يحتفظون باحتياطي من خلايا بيتا).
  • النتائج الرئيسية:
  1. تدمير الخلايا: لم ينجح الأنسولين الأنفي في منع فقدان الخلايا المنتجة للأنسولين؛ حيث انخفضت هذه الخلايا بنسبة 35% على مدار 24 شهرًا، دون فرق بين مجموعة الأنسولين الأنفي ومجموعة الدواء الوهمي.
  2. الاستجابة المناعية (الأجسام المضادة): وُجد أن الأنسولين الأنفي قلل بشكل كبير ومستدام من مستويات الأجسام المضادة للأنسولين (IAA) التي تستهدف الأنسولين نفسه. وهذا يشير إلى أنه جعل الجهاز المناعي أكثر تحملاً للأنسولين وقلل من الاستجابة المناعية ضده.
  3. الأجسام المضادة الأخرى: بقيت مستويات الأجسام المضادة الأخرى المرتبطة بالسكري (GADA و IA2A) دون تغيير.

3. التفسير والأهمية المستقبلية:

  • على الرغم من أن الرذاذ لم يوقف تدمير الخلايا، فإن قدرته على تغيير الاستجابة المناعية وتقليل أجسام IAA المضادة تُعد أول دليل على أن الأنسولين الأنفي يمكن أن يؤثر على المناعة البشرية.
  • يقترح الباحثون أن هذه الطريقة، من خلال قمع الاستجابة المناعية، يمكن استخدامها للوقاية من السكري لدى الأشخاص المعرضين للخطر، وخاصة الأطفال.

ثالثاً: تحريف القصة وحاجة البحث المستقبلي

تم تناول نتائج هذه الدراسة بشكل غير دقيق في بعض وسائل الإعلام (مثل صحيفة ديلي إكسبرس) التي أكدت أن الباحثين "طوروا لقاح رذاذ أنفي يمنع الأطفال من الإصابة بالسكري".

  • التضخيم الإعلامي: تأكيد الصحيفة لم يدعمه البحث، الذي أُجري على البالغين المصابين بالفعل بشكل نادر من المرض، ولم يتم اختباره على الأطفال الأصحاء المعرضين للخطر.
  • الحاجة للبحث المستقبلي: هناك حاجة ماسة لـ مزيد من الدراسات على الأطفال المعرضين لخطر الإصابة بأشكال أخرى من السكري من النوع الأول، بالإضافة إلى اختبار ما إذا كان تغيير مستويات الأجسام المضادة (IAA) يمكن أن يؤدي بالفعل إلى تحسين النتائج السريرية مثل مستويات السكر في الدم على المدى الطويل.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال