الجسم المضاد (Antibody): الهيكل، الوظائف، والتصنيف
الجسم المضاد، المعروف أيضاً باسم الغلوبيولين المناعي (Immunoglobulin - Ig)، هو جزيء بروتيني معقد يعتبر السلاح الأساسي والدقيق الذي ينتجه الجهاز المناعي التكيفي. يتم تصنيعه بواسطة الخلايا البلازمية (التي تتطور من الخلايا البائية) استجابة لوجود مولد مضاد محدد.
1. الهيكل الجزيئي والوظيفي:
يتميز الجسم المضاد بهيكل ثلاثي الأبعاد على شكل حرف "Y"، وهو ضروري لوظائفه المزدوجة:
- السلاسل البروتينية: يتكون الهيكل من أربع سلاسل بروتينية مرتبطة ببعضها بواسطة روابط ثنائي الكبريتيد:
- سلسلتان ثقيلتان (Heavy Chains): وهما أطول وأكثر تعقيداً، وتحدد نوع الجسم المضاد (مثل IgG أو IgM).
- سلسلتان خفيفتان (Light Chains): وهما أقصر وأبسط.
- المنطقة المتغيرة (Variable Region): تقع في نهايات ذراعي حرف Y. هذه المنطقة هي التي تحدد نوعية الجسم المضاد، حيث تحتوي على تسلسلات أحماض أمينية شديدة التباين تسمح لها بالارتباط بشكل دقيق ومفرد بموقع نشط محدد (Epitope) على مولد المضاد.
- المنطقة الثابتة (Constant Region): تمثل "جذع" حرف Y. هذه المنطقة ثابتة في التسلسل ضمن فئة معينة من الأجسام المضادة، وهي مسؤولة عن تنفيذ الوظيفة، أي التفاعل مع الخلايا المناعية الأخرى أو جزيئات النظام المتمم (Complement System).
2. آليات عمل ووظائف الأجسام المضادة:
بمجرد أن يرتبط الجسم المضاد بمولد المضاد، فإنه ينفذ وظيفته الدفاعية من خلال عدة آليات:
- التحييد (Neutralization): ترتبط الأجسام المضادة مباشرة بالبروتينات السطحية للفيروسات أو السموم البكتيرية. هذا الارتباط يمنع الفيروس من غزو الخلايا أو يمنع السموم من التسبب بالضرر، مما "يعادل" التهديد بشكل فعلي.
- التراص (Agglutination): تعمل الأجسام المضادة على ربط العديد من مولدات المضاد (كالبكتيريا أو كريات الدم الحمراء) ببعضها البعض لتكوين كتل كبيرة. هذا التكتل يسهل عملية "البلعمة" (Ph لازمة gocytosis)، حيث تستطيع الخلايا البلعمية التقاط وتدمير الكتل بسهولة أكبر.
- الترسيب (Precipitation): ترتبط الأجسام المضادة بمولدات المضاد الذائبة لتكوين مركبات غير قابلة للذوبان، والتي تترسب ويمكن إزالتها بواسطة الخلايا البلعمية.
- تفعيل النظام المتمم (Complement Activation): ترتبط الأجسام المضادة في المنطقة الثابتة بجزيئات نظام البروتين المتمم. تفعيل هذا النظام يؤدي إلى سلسلة من التفاعلات التي ينتج عنها تدمير مباشر للخلية المصابة أو البكتيريا من خلال تكوين ثقوب في غشائها.
- التعزيز/التأشير (Opsonization): تُغطي الأجسام المضادة السطح الخارجي للغزاة، وتعمل المنطقة الثابتة كـ "إشارة" أو "علم" تتعرف عليه الخلايا البلعمية (كالخلايا الأكولة الكبيرة) وتلتهم الكائن المغطى.
3. الفئات الخمسة الرئيسية للأجسام المضادة (الغلوبيولينات المناعية):
تُقسم الأجسام المضادة إلى خمس فئات رئيسية (IgG,IgA,IgM,IgE,IgD)، تختلف في هيكل سلاسلها الثقيلة ووظائفها ومواقع انتشارها في الجسم:
- IgM: هو أول جسم مضاد يتم إنتاجه استجابة لعدوى جديدة. يوجد عادة في شكل خماسي (خمس وحدات $\text{Y}$ مرتبطة ببعضها)، مما يمنحه قدرة عالية على التراص والتفعيل المبكر للنظام المتمم.
- IgG: هو الجسم المضاد الأكثر وفرة في الدم والسوائل النسيجية (حوالي $75\%$ من إجمالي الأجسام المضادة). وهو النوع الوحيد القادر على عبور المشيمة وتوفير مناعة حماية مؤقتة للجنين والرضيع. يعتبر فعالاً في التحييد والتعزيز.
- IgA: يوجد بشكل رئيسي في الإفرازات المخاطية مثل الدموع، واللعاب، وحليب الأم، والإفرازات التنفسية والمعوية. يعمل كخط دفاع أول ضد مسببات الأمراض التي تحاول دخول الجسم عبر الأسطح المخاطية.
- IgE: يرتبط بالخلايا الصارية والخلايا القاعدية، وهو المسؤول الرئيسي عن الاستجابات التحسسية (الحساسية). ارتفاعه يرتبط أيضاً بالدفاع ضد الطفيليات.
- IgD: يوجد بكميات قليلة في الدم، ويتم التعبير عنه بشكل أساسي على سطح الخلايا البائية غير الناضجة، حيث يعمل كـمستقبل يساعد في تنشيط الخلايا البائية.
في الختام، يمثل الجسم المضاد ذروة التخصص في الجهاز المناعي، حيث يوفر آلية دفاعية شديدة الدقة يمكنها التعرف على ملايين التهديدات المحتملة وتحييدها أو توجيه الخلايا القاتلة نحوها.