هل يرى المكفوفون في أحلامهم؟ تحليل القدرة العصبية على توليد الأحاسيس البصرية داخلياً وتأثير العمى المكتسب والولادي على محتوى الحلم وكثافته

الأحلام المرئية لدى المكفوفين: تحليل للتكيف العصبي والخبرة الحسية

السؤال عما إذا كان الأشخاص المكفوفون يحلمون بالصور المرئية هو أحد أكثر الأسئلة إثارة للاهتمام في علم الأعصاب وعلم الأحلام. الإجابة، بناءً على الأدلة، هي نعم، لكن التفاصيل تعتمد بشكل كبير على ما إذا كان العمى مكتسبًا أم منذ الولادة، وتكشف عن مرونة الدماغ المذهلة.


1. العمى المكتسب (فقدان البصر لاحقاً): استحضار الذاكرة

بالنسبة للأفراد الذين ولدوا ولديهم بصر طبيعي ثم فقدوه لاحقاً (بسبب مرض أو حادث)، فإن تجربتهم في الأحلام المرئية أمر متوقع ولا يدعو للدهشة.

  • مصدر الأحلام: تُستمد الأحلام من الذكريات المخزنة في الدماغ، وكذلك من الدوائر العصبية التي تطورت وتكونت عبر تجربة العالم الخارجي.
  • الذاكرة البصرية: على الرغم من أن الشخص أصبح أعمى حاليًا، فإن دماغه لا يزال يحتفظ بـالذكريات البصرية الغنية التي تكونت قبل فقدان البصر.
  • الدوائر العصبية: تبقى الدوائر العصبية المرتبطة بالرؤية التي تشكلت بالخبرة السابقة قائمة ونشطة.
  • النتيجة: يمكن للدماغ أن يستدعي هذه الذكريات والدوائر لإنشاء أحاسيس وصور بصرية أثناء الحلم.


2. العمى منذ الولادة: مفارقة القدرة البصرية الدماغية

التحدي الحقيقي يكمن في فهم كيف يمكن لشخص أعمى منذ الولادة أن يحلم بالصور المرئية، وهو ما أكدته الأبحاث العلمية. لفهم ذلك، يجب استيعاب كيفية عمل الرؤية.

عملية الرؤية من منظور عصبي:

تتكون تجربة الرؤية من ثلاث خطوات رئيسية:

  • الاستقبال: تحويل أنماط الضوء إلى نبضات كهربائية في العين.
  • النقل: انتقال هذه النبضات الكهربائية من العين إلى الدماغ عبر الأعصاب البصرية.
  • المعالجة والتفسير: فك تشفير وتجميع هذه النبضات الكهربائية في المنطقة البصرية بالدماغ لإنتاج الأحاسيس البصرية التي نختبرها.

المشكلة تكمن خارج الدماغ:

في الغالبية العظمى من حالات العمى، تكون المشكلة في الخطوتين 1 أو 2 (العين أو الأعصاب البصرية)، بينما يكون الدماغ سليمًا ولديه القدرة العصبية على معالجة الأحاسيس البصرية.

  • القدرة العصبية: الأفراد المكفوفون منذ الولادة لا يستطيعون استقبال معلومات بصرية من العالم الخارجي لأن مسار النقل معطل، ولكنهم لا يزالون يمتلكون الدوائر العصبية القادرة على توليد وتجربة الأحاسيس البصرية داخليًا.
  • مرونة الدماغ: في الحالات النادرة التي يكون فيها العمى ناتجاً عن تلف دماغي، غالباً ما يستعيد الشخص قدرًا من الرؤية بفضل مرونة الدماغ (Plasticity) وقدرته على إعادة توصيل نفسه.

3. صعوبة الاستدلال الذاتي واللجوء إلى مسح الدماغ:

إذا كان المكفوفون منذ الولادة لديهم القدرة على اختبار الأحاسيس البصرية، فلماذا لا يؤكدون ذلك عند سؤالهم؟

حاجز الوصف والخبرة:

السبب الرئيسي هو افتقارهم إلى إطار مرجعي لتفسير هذه الأحاسيس:

  • غياب الربط: لا يمتلك الشخص الأعمى منذ الولادة خبرة في ربط أي إحساس بصري داخلي بـأشياء خارجية في العالم الحقيقي (مثل التفاحة أو الكرسي).
  • غياب اللغة: عندما يصف المبصرون "الرؤية"، فإنهم يصفون تجربة لا يعرفها الأعمى منذ الولادة. إذا رأى بقعة لونية في حلمه لأول مرة، فلن يدرك أنها صورة بصرية، لأنه لم يربطها بكلمة "تفاحة" أو بمفهوم الرؤية.
  • قياس حسي: يشبه الأمر شخصًا لم يتذوق الملح قط؛ حتى لو وصفه الآخرون، فلن يعرف أنه ذاق الملح عند تناوله لأول مرة بطريق الصدفة.

الدليل من النشاط الدماغي:

لتجاوز هذا الحاجز، لجأ العلماء إلى مسح الدماغ أثناء النوم:

  • النشاط الكهربائي: أظهرت دراسات مسح الدماغ (مثل تخطيط أمواج الدماغ) أن الأفراد المكفوفين منذ الولادة لديهم نفس النوع من النشاط الكهربائي المرتبط بالرؤية في الدماغ أثناء النوم الذي يظهر لدى الأشخاص المبصرين.
  • حركة العين: كما أنهم يُظهرون حركات عين سريعة (REM) منسقة مع هذا النشاط الكهربائي، تمامًا كما يحدث للأشخاص المبصرين.

الخلاصة العلمية: هذه الأدلة تشير بقوة إلى أن الأشخاص المكفوفين منذ الولادة يختبرون الأحاسيس البصرية أثناء النوم، لكنهم ببساطة لا يعرفون كيف يصفونها أو يربطونها بمفهوم "الرؤية".


4. الفروقات في محتوى الأحلام: الأصوات والروائح تسيطر

على الرغم من أن المكفوفين منذ الولادة يحلمون بالصور المرئية، إلا أن هناك فروقات في وتيرة وكثافة محتوى الأحلام مقارنة بالمبصرين:

  • الكثافة الأقل: يحلم المكفوفون بالصور المرئية بشكل أقل تكرارًا وأقل كثافة من الأشخاص المبصرين.
  • السيادة الحسية: في المقابل، يميلون إلى الحلم بشكل أكثر تكرارًا وكثافة بـالأصوات والروائح وأحاسيس اللمس والذوق، وهي الحواس التي يعتمدون عليها بشكل أكبر في يقظتهم.
  • طبيعة الصور المتوقعة: بما أنهم لم يخزنوا ذكريات بصرية من العالم الخارجي، فمن المحتمل أن الأحاسيس البصرية التي يختبرونها أثناء الحلم ليست صورًا مفصلة لأشياء فعلية (كراسي أو تفاح)، بل قد تكون بقعًا أو ومضات من الألوان والأضواء التي تنشأ من التقلبات الكهربائية الداخلية للدماغ. قد ترتبط هذه البقع بشكل وظيفي بالحواس الأخرى (مثل بقعة لونية تتحرك من اليسار إلى اليمين مصاحبة لصوت ينتقل بنفس الاتجاه).


ملاحظة ذات صلة: الأحلام البصرية قبل الولادة

تدعم الأبحاث أن جميع البشر يحلمون بالصور المرئية قبل ولادتهم (في الرحم). ولأن الجنين لم يجرب الرؤية الفعلية في ظلام الرحم، فإن تجربته تشبه تجربة الشخص الأعمى منذ الولادة، مما يجعل من المنطقي أن تكون الأحاسيس البصرية في الحلم تنشأ داخليًا من الدماغ.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال