الهرمون الموجه للغدة الكظرية (ACTH): المنظم الرئيسي للاستجابة للإجهاد
الهرمون الموجه للغدة الكظرية (Adrenocorticotropic Hormone)، المعروف اختصاراً بـ ACTH أو كورتيكوتروبين (Corticotropin)، هو هرمون ببتيدي حيوي يعمل كمرسال كيميائي رئيسي في محور الغدة النخامية-الوطائية-الكظرية (Hypothalamic-Pituitary-Adrenal Axis - HPA). وظيفته الأساسية هي تحفيز الغدد الكظرية لإنتاج وإفراز هرمون الكورتيزول، وهو هرمون الإجهاد الأساسي.
1. المنشأ والتركيب الكيميائي:
يتم تصنيع وإفراز هرمون ACTH من قبل خلايا متخصصة تسمى الخلايا الموجهة للقشرة (Corticotrophs)، والتي تقع في الفص الأمامي للغدة النخامية (Anterior Pituitary Gland).
- السَّلَف الهرموني (Precursor): يتم تصنيع ACTH من جزيء بروتيني كبير يسمى بروبيوميلانوكورتين (Pro-opiomelanocortin - POMC).
- الإفراز: يُفرز ACTH في شكل نبضات متقطعة على مدار اليوم، ويتبع إيقاعاً يومياً (Circadian Rhythm) واضحاً؛ حيث تكون مستوياته أعلى ما يمكن في الصباح الباكر (لتهيئة الجسم لليقظة والنشاط) وأدنى ما يمكن في وقت متأخر من الليل.
2. آلية العمل والوظيفة الرئيسية:
تتمحور وظيفة ACTH حول تحفيز قشرة الغدة الكظرية لإنتاج الهرمونات الستيرويدية الحيوية:
أ. تحفيز إنتاج الكورتيزول (الجلوكوكورتيكويدات)
الوظيفة الأساسية والأكثر أهمية لـ ACTH هي تحفيز المنطقة الحزمية (Zona Fasciculata) في قشرة الغدة الكظرية لإفراز الكورتيزول.
- المستقبلات: يرتبط ACTH بمستقبلات متخصصة تسمى مستقبلات الميلانوكورتين 2 (MC2R) على سطح الخلايا الكظرية.
- تخليق الستيرويدات: يؤدي هذا الارتباط إلى تنشيط مسارات الإشارة داخل الخلايا، مما يحفز المراحل الأولى والمحددة لسرعة تخليق الستيرويدات، وعلى الأخص نقل الكوليسترول إلى الميتوكوندريا لبدء إنتاج الكورتيزول.
- دور الكورتيزول: الكورتيزول ضروري لتنظيم الاستجابة للإجهاد، والتحكم في عملية الأيض (تكسير الدهون والبروتينات)، والحفاظ على ضغط الدم ومستويات الجلوكوز، وكبح الاستجابات الالتهابية.
ب. تحفيز الأندروجينات (هرمونات الذكورة):
يحفز ACTH أيضاً المنطقة الشبكية (Zona Reticularis) لإنتاج الأندروجينات الكظرية (مثل ديهيدرو إيبي أندروستيرون - DHEA).
3. تنظيم الإفراز: محور الوطاء-النخامية-الكظرية (HPA Axis)
يتم التحكم في إفراز ACTH بدقة من خلال حلقة تغذية راجعة سلبية معقدة (Negative Feedback Loop) تشمل ثلاثة أعضاء:
- الوطاء (Hypothalamus): عند التعرض للإجهاد (سواء جسدي أو نفسي) أو عند انخفاض مستويات الكورتيزول، يفرز الوطاء الهرمون المطلق للموجهة القشرية (Corticotropin-Releasing Hormone - CRH).
- الغدة النخامية (Pituitary Gland): يحفز CRH خلايا الكورتيكوتروب في النخامية الأمامية لإفراز ACTH في مجرى الدم.
- الغدة الكظرية (Adrenal Gland): يحفز ACTH إفراز الكورتيزول.
حلقة التغذية الراجعة السلبية:
عندما ترتفع مستويات الكورتيزول في الدم، فإنه يعمل على تثبيط إفراز كل من CRH من الوطاء وACTH من الغدة النخامية. يضمن هذا التوازن الدقيق بقاء مستويات الكورتيزول تحت السيطرة وتجنب التعرض المزمن للهرمون.
4. الاضطرابات والأمراض المرتبطة بـ ACTH:
يمكن أن تؤدي المستويات غير الطبيعية للهرمون الموجه للغدة الكظرية (ACTH) إلى اختلال التوازن في إنتاج الكورتيزول، مما ينتج عنه مجموعة من الاضطرابات الهرمونية التي تتطلب تشخيصاً دقيقاً.
أ. حالات ارتفاع الكورتيزول:
تحدث حالات ارتفاع الكورتيزول عادةً نتيجة لزيادة التحفيز من ACTH، أو لأسباب أخرى خارجة عن سيطرته:
داء كوشينغ (Cushing's Disease):
- مستويات ACTH والكورتيزول: تكون مرتفعة في كليهما.
- السبب: ينشأ هذا الداء نتيجة لورم (عادةً حميد) في الغدة النخامية يُنتج كميات زائدة من هرمون ACTH. هذا الارتفاع في ACTH يفرط في تحفيز الغدة الكظرية لإنتاج مستويات عالية من الكورتيزول.
متلازمة كوشينغ (Cushing's Syndrome):
- مستويات ACTH والكورتيزول: تكون مستويات الكورتيزول مرتفعة، بينما تكون مستويات ACTH غالبًا منخفضة أو مثبطة.
- السبب: يشير هذا المصطلح إلى فرط الكورتيزول الناتج عن أسباب خارج النخامية، مثل ورم ينمو في الغدة الكظرية نفسها (مما يفرز الكورتيزول بشكل مستقل) أو نتيجة لتناول جرعات عالية من أدوية الكورتيكوستيرويد الخارجية.
ب. حالات قصور الغدة الكظرية (انخفاض الكورتيزول):
تحدث هذه الحالات نتيجة لعدم قدرة الغدة الكظرية على إنتاج ما يكفي من الكورتيزول، سواء بسبب مشكلة في الغدة نفسها أو في التحفيز النخامي:
مرض أديسون (Addison's Disease):
- مستويات ACTH والكورتيزول: تكون مستويات الكورتيزول منخفضة جداً، بينما تكون مستويات ACTH مرتفعة جداً.
- السبب: يُسمى هذا القصور الكظري الأولي. ويحدث نتيجة فشل أو تلف الغدة الكظرية نفسها (غالباً بسبب اضطراب مناعي ذاتي). نظراً لأن الغدة الكظرية لا تستجيب لهرمون ACTH ولا تنتج الكورتيزول، فإن حلقة التغذية الراجعة السلبية تتعطل، مما يدفع الغدة النخامية لزيادة إفراز ACTH بشكل كبير ومستمر في محاولة يائسة لتعويض النقص.
قصور الغدة النخامية الثانوي:
- مستويات ACTH والكورتيزول: تكون منخفضة في كليهما.
- السبب: يمثل هذا القصور الكظري الثانوي. وينتج عن فشل الغدة النخامية (بسبب ورم، أو إصابة، أو غيرها) في إنتاج كميات كافية من هرمون ACTH، مما يؤدي إلى عدم تحفيز الغدة الكظرية بشكل كافٍ وينتج عنه انخفاض في الكورتيزول.
الملاحظة السريرية: فرط التصبغ (Hyperpigmentation)
من الجدير بالذكر أن الارتفاع الشديد في ACTH لدى مرضى أديسون غالباً ما يؤدي إلى تصبغ داكن في الجلد والأغشية المخاطية. يحدث هذا لأن ACTH والهرمون المحفز للخلايا الصبغية (α-MSH) ينتجان من نفس الجزيء السلف (POMC)، لذا فإن زيادة إنتاج ACTH ينتج عنه زيادة في α-MSH كناتج ثانوي.
5. الاستخدامات السريرية لـ ACTH:
يُستخدم ACTH (أو شكله الصناعي كورتيكوتروبين) كأداة تشخيصية وعلاجية:
- التشخيص (اختبار تحفيز ACTH): يُستخدم لتحديد ما إذا كان قصور الغدة الكظرية (Addison's Disease أو غيره) ناتجاً عن فشل الغدة الكظرية نفسها (استجابة ضعيفة لـ ACTH) أو عن مشكلة في الغدة النخامية/الوطاء (ACTH منخفض).
- العلاج: يُستخدم في حالات نادرة كعلاج لبعض الاضطرابات الالتهابية أو المناعية، أو لعلاج أنواع معينة من التشنجات الصرعية لدى الرضع (مثل متلازمة ويست).