مبدأ 'ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام': سد الذرائع ودوره في حماية الصحة العامة والخاصة والسكينة المجتمعية

مبدأ "ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام" وتطبيقاته:

إن القاعدة الفقهية "ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام" هي مبدأ جوهري في الشريعة الإسلامية، يهدف إلى سد الذرائع ومنع الوقوع في المحرمات، ليس فقط بشكل مباشر، بل وأيضًا عن طريق تجنب كل ما يفضي إليها أو يمهد لها. هذا المبدأ لا يقتصر على الأمور الشرعية البحتة، بل يمتد ليشمل كل ما يضر الناس في حياتهم وصحتهم وراحتهم، مستندًا إلى قاعدة "لا ضرر ولا ضرار" التي تحرم إلحاق الأذى بالغير.


الإضرار بالصحة العامة والخاصة:

يتجلى تطبيق هذا المبدأ بوضوح في كل ما يتعلق بالصحة، سواء كانت صحة عامة للمجتمع أو خاصة للأفراد. فكل ما من شأنه أن يسبب أمراضًا، أو ضعفًا بدنيًا، أو حتى انعدامًا للجودة الحياتية، يندرج تحت طائلة الحرام. على سبيل المثال لا الحصر:

  • ابتعاث الغازات الضارة والملوثات: المصانع أو المركبات أو أي مصدر ينبعث منه غازات سامة أو ملوثات هوائية تشكل خطرًا مباشرًا على الجهاز التنفسي للإنسان، وتؤدي إلى أمراض مزمنة كالحساسية، الربو، وحتى السرطان، يعد عملًا محرمًا. هذا يشمل أيضًا التلوث المائي والتربة الذي يؤثر على السلسلة الغذائية وصحة الإنسان والحيوان.
  • المواد الكيميائية الخطرة: استخدام أو إنتاج مواد كيميائية تضر بالصحة العامة، كالمبيدات الحشرية الضارة بالصحة العامة، أو المواد المضافة للأغذية التي تسبب أمراضًا على المدى الطويل، يعتبر أيضًا من الأمور المحرمة.
  • إهمال النظافة والصرف الصحي: عدم الاهتمام بالنظافة العامة أو سوء إدارة النفايات والصرف الصحي يؤدي إلى انتشار الأوبئة والأمراض المعدية، وبالتالي فهو يندرج تحت هذا المبدأ.

الإضرار بالراحة والطمأنينة:

لا يقتصر الضرر على الجانب الصحي والجسدي فحسب، بل يمتد ليشمل الراحة النفسية والطمأنينة العيشية للأفراد. فالإضرار براحة الناس وتكدير صفو حياتهم يُعد أيضًا من الأمور غير المقبولة شرعًا وقانونًا:

  • الضوضاء المفرطة: إحداث ضوضاء عالية ومستمرة، سواء كانت ناتجة عن أعمال بناء، أو مصانع، أو أصوات مرتفعة من مكبرات الصوت، أو حتى إزعاج الجيران، يؤثر سلبًا على التركيز، ويسبب التوتر، ويحرم الناس من حقهم في الراحة والنوم الهادئ. هذا يدخل ضمن قاعدة "ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام" لأن الأذى المعنوي والنفسي لا يقل أهمية عن الأذى الجسدي.
  • التلوث البصري والروائح الكريهة: كل ما يفسد المظهر العام للمجتمع ويسبب نفورًا بصريًا، أو ينبعث منه روائح كريهة تؤذي الحواس وتؤثر على جودة البيئة المحيطة، يُعد من الأمور التي يجب تجنبها.
  • إعاقة المرافق العامة: أي فعل يعيق استخدام الناس للمرافق العامة، مثل إغلاق الطرق، أو احتلال الأرصفة بطريقة تضر بالمارة، يؤثر على راحتهم وحركتهم، وبالتالي يعتبر مرفوضًا.

بشكل عام، تهدف هذه القاعدة إلى بناء مجتمع متكامل وصحي، يراعي فيه الأفراد حقوق بعضهم البعض، ويسعون لتحقيق الصودة للجميع، سواء على المستوى الجسدي أو النفسي أو البيئي. ولذلك، فإن تطبيق هذا المبدأ يتطلب وعيًا مجتمعيًا ومسؤولية فردية وجماعية لضمان بيئة آمنة ومريحة للجميع.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال