الإسعافات الأولية لحالات التسمم عن طريق الفم: إجراءات تأخير الامتصاص والعلاج الأولي
تتطلب حالات التسمم عن طريق الفم (الابتلاع) تدخلاً إسعافيًا فوريًا ومنظمًا يهدف إلى تقليل كمية السموم الممتصة في الجهاز الهضمي والسيطرة على الأعراض الحيوية. تتركز الإجراءات الأولية في ثلاث مراحل رئيسية: تأخير أو إيقاف الامتصاص، والتخلص من السم، ثم دعم وظائف الجسم الحيوية.
1. المرحلة الأولى: تأخير أو إيقاف امتصاص السموم
الهدف الأساسي لهذه المرحلة هو تقليل التوفر الحيوي للسم قبل وصوله إلى مجرى الدم. يتم ذلك عبر تخفيف السم أو تغليفه:
أ. استخدام عوامل التغليف أو التخفيف (Demulcents and Diluents):
يُعطى المصاب بعض المواد الآمنة التي تعمل على تغليف السم أو تخفيف تركيزه في المعدة، مما يؤخر من سرعة امتصاصه:
- زلال البيض: يُعد زلال البيض (بياض البيض) مادة بروتينية تعمل كعامل تغليف (Demulcent)، حيث يغطي جدار المعدة والأمعاء، ويساعد في ربط بعض السموم، خاصة المعادن الثقيلة أو المواد المُهيجة.
- معلق النشا أو الطحين بالماء: يعمل النشا أو الطحين المذاب في الماء على تشكيل معلق سميك يحيط بالسم، مما يقلل من تلامسه المباشر مع جدار الجهاز الهضمي ويُبطئ عملية الامتصاص.
ب. استخدام الماء كمخفف:
- الماء العادي: يمكن استخدام الماء لتخفيف تركيز السم في المعدة، مما يقلل من التأثير الكاوي أو المُهيّج للمادة السامة.
- تحذير هام (تجنب الحليب): يجب تجنب إعطاء الحليب للمصاب في معظم حالات التسمم. يعود ذلك لكون الحليب يحتوي على نسبة عالية من الدهون التي تسهل وتسارع من امتصاص المواد السامة الذائبة في الدهون، مما قد يزيد من سوء حالة المريض.
2. المرحلة الثانية: التخلص من السموم (إخراجها من الجسم)
تُستخدم إجراءات لإخراج السموم من المعدة، لكنها تخضع لشروط وقيود صارمة تهدف لضمان سلامة المريض.
أ. غسل المعدة (Gastric Lavage):
يُعتبر غسل المعدة إجراءً فعّالاً لإزالة السموم التي لم تُمتص بعد. ومع ذلك، هناك حالات يُمنع فيها منعًا باتًا:
الحالات الممنوعة:
- التسمم بالمواد الكاوية (أحماض أو قلويات): قد يؤدي إدخال أنبوب الغسيل إلى تمزيق المريء أو المعدة اللذين تضررا بالفعل بفعل التآكل الكيميائي للسم.
- التسمم بالمواد البترولية (المُشتقات النفطية): يزيد غسل المعدة أو القيء من خطر استنشاق هذه المواد (Aspiration) إلى الرئتين، مما يسبب التهابًا رئويًا كيميائيًا حادًا (Pneumonitis).
- الإغماء أو فقدان الوعي: يُمنع غسل المعدة منعًا باتًا في هذه الحالة ما لم يتم تأمين مجرى الهواء بشكل كامل بواسطة التنبيب الرغامي (Endotracheal Intubation)، لمنع استنشاق محتويات المعدة.
ب. تحريض القيء (Inducing Vomiting):
يُستخدم تحريض القيء للتخلص من السموم التي تم ابتلاعها مؤخرًا، ولكن فقط إذا كان المصاب واعيًا بشكل كامل ولم يتقيأ تلقائيًا:
الطرق المستخدمة لتحريض القيء:
- التنبيه الميكانيكي: يمكن تنبيه الجدار الخلفي للبلعوم (الحلق) باستخدام الإصبع، وهي طريقة بسيطة وفعّالة لتحفيز منعكس القيء.
- المحلول الملحي: يُستخدم محلول ملحي مُركز (عادةً ما بين 2 إلى 3 ملاعق كبيرة من الملح مُذابة في كوب من الماء الساخن) يُعطى للمصاب ليشربه. الملوحة العالية تُهيّج المعدة وتُحفز القيء.
- ملاحظة هامة: يُمنع تحريض القيء في جميع الحالات المذكورة أعلاه ضمن موانع غسل المعدة (المواد الكاوية، المواد البترولية، الإغماء)، لنفس الأسباب المتعلقة بخطر التمزق أو الاستنشاق الرئوي.
3. المرحلة الثالثة: معالجة الأعراض ودعم الوظائف الحيوية
بعد اتخاذ الإجراءات الأولية للتخلص من السموم، يجب التركيز على دعم وظائف الجسم الحيوية ومعالجة الأعراض المصاحبة للتسمم:
- دعم التنفس: إذا كان المصاب يعاني من ضيق أو توقف في التنفس، يجب البدء فوراً بإجراء التنفس الصناعي (الإنعاش القلبي الرئوي إذا لزم الأمر).
- تخفيف الألم: يجب معالجة أي آلام حادة يشكو منها المصاب (خاصة آلام البطن أو الحرقان الناتج عن المواد الكاوية) باستخدام المسكنات المناسبة تحت إشراف طبي.
- التحكم في الدورة الدموية: معالجة حالات الصدمة أو انخفاض ضغط الدم التي قد تحدث نتيجة التسمم.
- النقل الفوري إلى المستشفى: يجب نقل المصاب إلى أقرب منشأة طبية بشكل عاجل، مع إحضار عبوة المادة السامة إن أمكن، لتحديد نوع السم وبدء العلاج النوعي والترياق (Antidote) المناسب.