تصنيف الضعف العقلي (الإعاقة العقلية) بناءً على الأسباب وتفصيل علاقته بإصدار الأحكام
يُعدّ تصنيف الضعف العقلي، أو الإعاقة العقلية، إلى فئات بناءً على المسببات أمراً أساسياً لفهم طبيعة الحالة وآلية تطورها. ينقسم هذا التصنيف عادةً إلى نوعين رئيسيين: الضعف العقلي الأولي والضعف العقلي الثانوي.
1. الضعف العقلي الأولي (Primary Mental Disability):
يضم هذا النوع الحالات التي يكون فيها الضعف العقلي ناتجاً عن عوامل داخلية وراثية أو جينية، أي أن السبب يكمن في خلل حدث في التكوين البيولوجي للفرد قبل أو أثناء مرحلة الإخصاب والتكوين الأولي للخلايا.
الأسباب الرئيسية:
- أخطاء المورثات (الجينات): طفرات أو تغيرات في جينات محددة تؤدي إلى اضطراب في وظائف الدماغ أو تطوره.
- أخطاء الصبغيات (الكروموزومات): تشوهات في عدد أو شكل الكروموزومات (مثل حالة متلازمة داون التي تنتج عن كروموزوم إضافي رقم 21).
- عوامل وراثية أخرى: اضطرابات التمثيل الغذائي (الأيض) الوراثية التي تمنع الجسم من معالجة مواد غذائية معينة، مما يؤدي إلى تراكمها وتلف الجهاز العصبي.
- انتشاره: يُقدّر أن الضعف العقلي الأولي يمثل النسبة الأكبر، حيث يحدث في حوالي 80% من إجمالي حالات الضعف العقلي.
- أمثلة: تشمل هذه الفئة حالات الضعف العقلي العائلي (الذي ينتقل عبر الأجيال وفقاً لنمط وراثي)، وحالات العته العائلي المظلم (وهو مصطلح قديم يشير إلى حالات وراثية شديدة).
2. الضعف العقلي الثانوي (Secondary Mental Disability):
يشمل هذا النوع الحالات التي ينشأ فيها الضعف العقلي نتيجة لتعرض الجهاز العصبي للإصابة بسبب عوامل بيئية خارجية حدثت في أي مرحلة من مراحل النمو بعد عملية الإخصاب. أي أن التكوين الجيني الأولي كان سليماً، ولكن الإصابة حدثت لاحقاً.
الأسباب الرئيسية:
- الإصابات قبل الولادة: مثل تعرض الأم للعدوى (كالحصبة الألمانية)، أو التسمم (كشرب الكحول أو تعاطي المخدرات)، أو سوء التغذية الحاد.
- الإصابات أثناء الولادة: كحدوث نقص في الأكسجين (الاختناق الولادي) أو الإصابات الجسدية للدماغ أثناء عملية الولادة.
- الإصابات بعد الولادة: وتشمل التهاب السحايا، والحمى الشديدة، والرضوض وإصابات الرأس الحادة (مثل حوادث السقوط أو الارتجاج)، أو التعرض لمواد سامة كالرصاص.
- انتشاره: يمثل الضعف العقلي الثانوي النسبة الأقل، حيث يحدث في حوالي 20% من إجمالي حالات الضعف العقلي.
- أمثلة: من أمثلته حالة استسقاء الدماغ (Hydrocephalus)، حيث يتراكم السائل النخاعي في الدماغ مما يضغط عليه ويتلف أنسجته، وحالات القصاع (Rickets) الشديدة في مرحلة الطفولة التي قد تؤدي إلى مضاعفات عصبية.
تأثير الضعف العقلي على إصدار الأحكام القانونية:
تُعدّ الإعاقة العقلية أو الضعف العقلي جزءاً هاماً وحيوياً من الظروف الشخصية للجاني، ويجب على المحكمة أخذه بعين الاعتبار كأحد العوامل المخففة العديدة عند إصدار الحكم. إن بعض أوامر الحكم أو تدابير العقوبة الخاصة لا تكون متاحة إلا إذا كان الجاني يعاني من مرض أو ضعف عقلي موثق.
إن وجود ضعف عقلي يمكن أن يؤثر بشكل كبير على عملية إصدار الحكم من خلال النقاط التالية:
1. تقليل الذنب الأخلاقي والوزن المعطى للعقاب:
- تقليل الذنب الأخلاقي: يمكن للضعف العقلي أن يقلل من الذنب الأخلاقي للجاني فيما يتعلق بالجريمة، لأن قدرته على فهم طبيعة أفعاله وخطورتها أو التحكم في سلوكه قد تكون محدودة. لكن يجب التنويه إلى أن هذا لا يُلغي بالضرورة المسؤولية القانونية للجاني عن الجريمة في معظم النظم القانونية.
- تخفيف أهداف الحكم: قد يؤثر الضعف العقلي على الوزن الذي يُعطى لأغراض محددة من الحكم، مثل العقاب العادل (الذي يركز على استحقاق الجاني للعقوبة) والإدانة (التي تعكس استنكار المجتمع للجرم)، مما يبرر حكماً أقل شدة.
2. تحديد نوع العقوبة وإمكانية تطبيقها:
- تأثير على العقوبة: يمكن للضعف العقلي أن يؤثر بشكل مباشر على نوع العقوبة التي يمكن فرضها. فمثلاً، قد تُفرض تدابير علاجية أو إعادة تأهيل خاصة بدلاً من العقوبات التقليدية.
- شروط التنفيذ: يؤثر الضعف العقلي أيضاً على الظروف التي يمكن فيها تنفيذ العقوبة، حيث قد يتطلب الجاني بيئة احتجاز خاصة أو دعماً طبياً ونفسياً مستمراً.
3. تقليص الوزن المعطى للردع:
- تخفيف قيمة الردع: غالباً ما يُقلَّص الوزن المعطى لغرض الردع (سواء الردع العام للمجتمع أو الردع الخاص للجاني) عند النطق بالحكم. يعود السبب في ذلك إلى أن قدرة الشخص الذي يعاني من ضعف عقلي على استيعاب وتذكر وفهم نتائج الردع كهدف لردعه عن ارتكاب جرائم مستقبلية قد تكون منخفضة.
- الاعتماد على شدة الخلل: يتوقف هذا التأثير على طبيعة وشدة الخلل العقلي، وكيف أثر هذا الضعف على القدرة العقلية للجاني في وقت ارتكاب الجرم (فهم القصد الجنائي) وكذلك في وقت إصدار الحكم.
4. زيادة المشقة ومخاطر السجن:
- زيادة المشقة في السجن: إذا كان الجاني يعاني من ضعف عقلي وقت إصدار الحكم، فإن احتجازه في بيئة السجن العامة قد يضاعف من المشقة والمعاناة التي يعانيها مقارنة بالشخص العادي، نظراً لحاجته لرعاية خاصة وصعوبة تكيفه مع البيئة العقابية.
- خطر التدهور النفسي: يمكن أن يؤدي السجن إلى تأثير سلبي كبير وخطير على الصحة العقلية للجاني. وهذا الخطر يبرر حكماً أقل شدة لتجنب تفاقم حالته الصحية والنفسية.