بروتوكولات علاج التسممات:
تسممات المواد الهيدروكربونية، المنظفات، والمبيدات الحشرية تعتبر حالات تسمم معقدة تستدعي بروتوكولات علاج خاصة. من الضروري فهم طبيعة كل مادة وتأثيرها على الجسم لتحديد الإجراءات الطبية الصحيحة.
تسمم المواد الهيدروكربونية:
المواد الهيدروكربونية هي مركبات عضوية أساسها الهيدروجين والكربون، وتوجد في العديد من المنتجات المنزلية مثل الكيروسين، والنفط الأبيض، وزيت المحركات، ومواد إزالة الشحوم.
- خطر غسيل المعدة: غسيل المعدة أو محاولة تحريض القيء في هذه الحالات يُعد خطيراً للغاية. هذه المواد ذات لزوجة منخفضة للغاية، مما يجعلها سهلة الاستنشاق إلى الرئتين عند صعودها عبر المريء.
- الخطر الأكبر: الخطر الأكبر لا يكمن في وصول المادة إلى المعدة، بل في استنشاقها (Aspiration) إلى الرئتين. عند وصولها إلى الحويصلات الهوائية، تتسبب في إتلافها وتدمير الأغشية الخلوية، مما يؤدي إلى ما يُعرف بـ الالتهاب الرئوي الكيميائي أو ذات الرئة الاستنشاقية. هذا الالتهاب ليس بكتيرياً في البداية، ولكنه يجعل الرئة بيئة خصبة لنمو البكتيريا، مما يستدعي العلاج بالمضادات الحيوية.
تسمم مواد التنظيف:
تختلف خطورة التسمم بمواد التنظيف حسب طبيعة المادة:
- المنظفات العادية (غير الكاوية): غالبية المنظفات السائلة أو مساحيق الغسيل ليست شديدة الخطورة إذا تم تناولها بكميات صغيرة. يمكن أن تسبب تهيجاً بسيطاً للمعدة والأمعاء، وغالباً ما يُكتفى بتقديم الماء أو الحليب للمريض.
- المواد الكاوية (الأحماض والقواعد القوية): مثل منظفات الصرف الصحي أو مواد إزالة الشحوم شديدة التركيز. هذه المواد تسبب حروقاً كيميائية فورية للمريء والمعدة. محاولة غسيل المعدة هنا يمكن أن تزيد من الضرر، حيث يؤدي إرجاع المادة إلى المريء إلى تكرار الحرق. العلاج يركز على تثبيت حالة المريض، ومراقبة علامات الحروق، وربما استخدام التنظير الهضمي لتقييم مدى الضرر.
تسمم المبيدات الحشرية:
تُقسم المبيدات الحشرية إلى مجموعات كيميائية مختلفة، كل منها له آلية تأثير مختلفة على الجسم.
- مبيدات الفوسفات العضوية والكربامات: هذه المبيدات تعمل على تعطيل إنزيم أستيل كولين إستريز في الجهاز العصبي، مما يؤدي إلى تراكم ناقل عصبي يسمى أستيل كولين. الأعراض تظهر على شكل زيادة إفرازات الجسم مثل اللعاب والدموع، بطء في ضربات القلب، تشنجات عضلية، وربما فشل تنفسي. العلاج الرئيسي هنا هو إعطاء الأتروبين المضاد لسموم هذه المبيدات، مع مراقبة دقيقة لوظائف القلب والتنفس. غسيل المعدة قد يُستخدم بحذر في الساعات الأولى إذا كانت كمية المبيد كبيرة، مع توخي الحذر من خطر الاستنشاق.
مراقبة المريض والإجراءات الطبية:
في جميع الحالات التي لا يُنصح فيها بغسيل المعدة، تكون المراقبة هي الأساس. يركز الفريق الطبي على:
- علامات حيوية: مراقبة دقيقة للحرارة، نبضات القلب، وضغط الدم، ومعدل التنفس.
- علامات الالتهاب الرئوي: إذا ارتفعت حرارة الطفل بعد استنشاق مادة ما، فهذا مؤشر قوي على بدء التهاب رئوي استنشاقي. في هذه الحالة، يجب إدخال الطفل للمستشفى.
- العلاج بالمضادات الحيوية: يتم إعطاء بنسلين G أو مضاد حيوي آخر مناسب لعلاج الالتهاب الرئوي، خصوصاً إذا كان هناك دليل على وجود عدوى بكتيرية ثانوية.
- العلاج الداعم: يشمل ذلك تزويد الأكسجين، وربما استخدام جهاز التنفس الصناعي في الحالات الشديدة من فشل التنفس.
باختصار، يظل اتخاذ القرار الصحيح في علاج التسمم أمراً حيوياً، ويعتمد على نوع المادة، كميتها، والوقت المنقضي. الخطأ في التقييم يمكن أن يزيد من الضرر بدلاً من علاجه.