أقراص الأنسولين الفموية: ابتكار "الهيدروجيل" كبديل جذري للحقن مدى الحياة
يمثل تطوير نظام توصيل فعال للأنسولين عن طريق الفم إحدى أصعب التحديات في علوم الصيدلة، نظرًا للطبيعة البروتينية للأنسولين التي تجعله عرضة للتلف بفعل حموضة المعدة وهضم الأمعاء. مؤخرًا، توصل باحثون أمريكيون إلى ابتكار واعد يعتمد على تقنية "الهيدروجيل" (Hydrogel)، مما قد يجعل تناول أقراص الأنسولين حقيقة في المستقبل القريب، ويُحدث تغييرًا جذريًا في حياة مرضى السكري.
1. الإشكالية العلمية والهدف من الابتكار:
تكمن الصعوبة الأساسية في إعطاء الأنسولين عن طريق الفم في نقطتين حاسمتين:
- حماية الأنسولين: تعرضه للتحطم والتلف في الوسط الحمضي القوي للمعدة (درجة حموضة منخفضة).
- الامتصاص الفعال: قدرة الأمعاء على امتصاص جزيئات الأنسولين الكبيرة بكميات كافية ومستمرة.
يهدف الابتكار الجديد، الذي قاده البروفيسور ولاس بيباس من جامعة "تي إس أوستن"، إلى التغلب على هاتين العقبتين من خلال تصميم نظام توصيل ذكي ومحمي.
2. الآلية التقنية لـ "الحبيبة الدوائية الهلامية":
تتمثل الفكرة المحورية للابتكار في تطوير مادة هلامية بوليمرية (Hydrogel) متخصصة تعمل كـ حامل وناقل فعال لهرمون الأنسولين عبر الجهاز الهضمي:
أ. الحماية في المعدة (الوسط الحمضي):
- تُحمَّل الجرعة المطلوبة من هرمون الأنسولين ضمن حبيبة دوائية تتكون من مواد هلامية مبلمرة.
- تتميز هذه المواد بكونها حساسة تجاه التغيرات في درجة الحموضة (pH-sensitive).
- عند تعرض الحبيبة لحموضة المعدة، فإنها تتمدد، وهذا التمدد يعمل كـ درع واقٍ يحمي الهرمون من التحلل بفعل الإنزيمات والأحماض.
ب. الإطلاق المتحكم به في الأمعاء (الوسط القلوي):
- تصل الحبيبة المحمية إلى الأمعاء، حيث يكون الوسط قلويًا (pH أعلى).
- تتميز الحبيبة في هذه المرحلة بقدرتها على التقلص، وتُستخدم هذه الخاصية لتسهيل الإطلاق المتحكم فيه للأنسولين.
- آلية التعلق والإطلاق التدريجي: تم تطوير الحبيبة لكي تتعلق ببطانة المعي هناك، بدلاً من المرور عبره سريعًا. هذا التعلق يضمن إطلاق هرمون الأنسولين على مراحل (على جرعات صغيرة ومستمرة).
- الهدف: يضمن هذا الإطلاق التدريجي حصول المريض على المقدار المطلوب من الهرمون على مدار فترة زمنية محددة، مما يمكن من تحقيق مستويات ثابتة لهرمون الأنسولين في الدم، وهو أمر بالغ الأهمية للتحكم الفعال بالسكري.
3. تعزيز الالتصاق باستخدام بروتين "الأجلوتينين":
لتحقيق أقصى درجات الفعالية في الإطلاق المتحكم فيه، لجأ فريق البحث إلى استخدام مادة بيولوجية مساعدة:
- الأجلوتينين (Agglutinin): وهي مادة طبيعية تُستخلص من جنين القمح.
- دورها: ساعدت هذه المادة على تعلق الهيدروجيل بجدار الأمعاء لفترة كافية بلغت حوالي عشر ساعات.
- النتائج: هذه المدة كانت كافية للسماح لمعظم جرعة الأنسولين المحمولة في الحبيبة بالمرور تدريجيًا إلى جدار الأمعاء، ومن ثم الانطلاق إلى مجرى الدم لتبدأ عملها.
4. التغلب على التحديات السابقة والآفاق المستقبلية:
هذا الابتكار يمثل خطوة هامة إلى الأمام، خاصة بعد أن كان البروفيسور بيباس قد نجح سابقًا في إيصال الأنسولين بأمان إلى الأمعاء باستخدام الهيدروجيل، لكنه واجه صعوبة في منع المادة الهلامية من إطلاق الهرمون دفعة واحدة (Spike Release)، مما يؤدي إلى عدم استقرار مستويات السكر في الدم. البحث الأخير نجح في التغلب على هذه المشكلة عبر تقنية التقلص والتعلق.
إذا أثبتت هذه التقنية سلامتها وفعاليتها في التجارب السريرية اللاحقة، فإنها ستمثل ثورة في علاج السكري، تتيح للملايين من المرضى الاستغناء عن الحقن اليومية واعتماد الأقراص الفموية الأكثر راحة.
