الديناميكية الميكانيكية للتنفس: دور الممرات الهوائية النشط في التوسع والتقلص، ووظيفة الجنبة والضغط البلوري السلبي في تمدد الرئتين الأعظمي

الآليات الفيزيولوجية المعقدة لعملية التنفس:

إن عملية التنفس أكثر تعقيداً من مجرد تبادل للغازات؛ فهي تتضمن تنسيقاً ديناميكياً بين الممرات الهوائية، والأغشية المحيطة بالرئة، والوحدات الوظيفية الدقيقة (الأسناخ).


1. الوظيفة الديناميكية للممرات الهوائية:

ليست الممرات الهوائية (كالقصبات والشعيبات) مجرد قنوات ثابتة، بل تلعب دوراً نشطاً وديناميكياً يتكيف مع مرحلتي التنفس:

  • أثناء الشهيق (Inspiration): يتطلب دخول أكبر قدر من الهواء أن تتكيف الممرات الهوائية لتصبح مساراً واسعاً وسهلاً. ولهذا، فإنها تتطاول وتتسع إلى أقصى حد ممكن. يحدث هذا التوسع بفعل قوى الشد الخارجي التي يمارسها النسيج الرئوي المحيط بها (المرتبط بالقفص الصدري)، ما يقلل من مقاومة تدفق الهواء ويسهل عملية امتلاء الرئتين.
  • أثناء الزفير (Expiration): تهدف هذه المرحلة إلى طرح الهواء المستهلك بسرعة. ولهذا، يقل طول وقطر الممرات الهوائية. يعود السبب في ذلك إلى ارتفاع الضغط داخل القفص الصدري مقارنة بالضغط الجوي، إضافة إلى خاصية المرونة الطبيعية للنسيج الرئوي. هذا التقلص يزيد من سرعة طرد الهواء.

بالإضافة إلى دورها في مرور الهواء، تقوم الممرات الهوائية بدور وقائي وتنظيفي حيوي، يتمثل في طرح وإخراج الإفرازات المخاطية. يبلغ الحجم الطبيعي لهذه الإفرازات حوالي 150 ملليلتر يومياً، وتزداد هذه الكمية بشكل ملحوظ في الحالات المرضية (مثل الالتهابات أو الربو) لحماية الجهاز التنفسي.


2. دور الغشاء البلوري (الجنبة) في ميكانيكا التنفس:

الجنبة (Pleura) هي غشاء مصلي رقيق يحيط بالرئتين ويتكون من طبقتين: الجنبة الجدارية (الملاصقة للجدار الصدري) والجنبة الحشوية (الملاصقة لسطح الرئة). وظيفتهما حاسمة:

  • الدعم الهيكلي والحركة: تعمل الجنبة بورقتيها كآلية لدعم الرئتين وربطهما بالجدار الصدري. وهي تسمح للرئتين بالانزلاق والحركة بحرية تامة ضد الجدار الصدري أثناء التنفس، حيث تنقل الحركة التي يولدها القفص الصدري إلى الرئتين، ما يمكنهما من التمدد الأعظمي اللازم لعملية الشهيق.
  • الضغط البلوري السلبي (Intrapleural Pressure): يكمن جوهر عمل الجنبة في الحفاظ على الضغط السلبي داخل الفراغ البلوري (الفجوة بين الورقتين). هذا الضغط السلبي ضروري للحفاظ على الرئتين منتفختين ومتصلتين بالجدار الصدري:
  1. أثناء الزفير الطبيعي: يكون الضغط البلوري سلبياً، ويساوي تقريباً (-3 mmHg) (ملليمتر زئبقي) بالنسبة للضغط الجوي.
  2. أثناء الشهيق الطبيعي: تزداد سلبية الضغط البلوري ويتراوح ما بين (-6 إلى -10 mmHg)، وهو ما يسحب الرئتين لتتبعا القفص الصدري المتوسع.

التغيرات القصوى في الضغط البلوري:

يُعد الضغط داخل الفجوة البلورية (الضغط البلوري) عاملاً حاسماً في ميكانيكا التنفس، ويظهر هذا الضغط تقلبات كبيرة تعكس الجهد المبذول وتتراوح بين قيم سلبية (أقل من الضغط الجوي) وقيم إيجابية (أعلى من الضغط الجوي).

  • الضغط البلوري في التنفس الطبيعي:

يتم الحفاظ على الضغط البلوري عادةً عند مستوى سلبي (أقل من الضغط الجوي) لضمان بقاء الرئتين متمددتين وملتصقتين بالجدار الصدري.

  1. أثناء الزفير الطبيعي: يكون الضغط البلوري سلبياً، حيث يعادل تقريباً -3 (ملليمتر زئبقي) بالنسبة للضغط الجوي. هذا الضغط السلبي ضروري لمنع الانهيار الكامل للرئة.
  2. أثناء الشهيق الطبيعي: تزداد سلبية الضغط بشكل ملحوظ ليعكس قوة السحب الناتجة عن تمدد القفص الصدري. يتراوح الضغط في هذه الحالة ما بين -6 إلى -10 (ملليمتر زئبقي) بالنسبة للضغط الجوي.
  • الضغط البلوري في التنفس الإجباري (القسري):

عندما ينخرط الشخص في جهود تنفسية قسرية (إجبارية)، تزداد حدة تغيرات الضغط البلوري، وقد ينتقل الضغط من السلبية إلى الإيجابية:

  1. أثناء الزفير الإجباري: يمكن للضغط البلوري أن يصبح إيجابياً، وقد يصل إلى +4 (ملليمتر زئبقي) بالنسبة للضغط الجوي. يعكس هذا الارتفاع الضغط القوي الذي تمارسه عضلات البطن والصدر الإضافية على الرئتين لطرد أقصى كمية ممكنة من الهواء.
  2. أثناء الشهيق الإجباري: ينخفض الضغط البلوري إلى أدنى مستوياته، حيث يمكن أن يصل إلى -30 (ملليمتر زئبقي) بالنسبة للضغط الجوي. تعكس هذه السلبية القصوى قوة الشد الهائلة التي تمارسها العضلات المساعدة في الشهيق (مثل عضلات الرقبة والصدر) لتمكين الرئة من الوصول لأقصى قدرة تمددية.

3. دور الأسناخ ومادة السيرفاكتانت:

تُعد الأسناخ (Alveoli) هي الوحدات الوظيفية الأساسية في الرئة، حيث يحدث تبادل الغازات الفعلي. وتلعب هذه الأكياس الهوائية دوراً هاماً بفضل خصائصها الميكانيكية:

  1. المطاطية والمرونة: تتميز جدران الأسناخ بـ مطاطية عالية بفضل الألياف المرنة (Elastin Fibers) التي تسمح لها بالتمدد والانكماش. كما أن وجود الألياف العضلية بين الأسناخ يساعد في تنظيم حجمها.
  2. تأثير السيرفاكتانت (Surfactant): يُعتبر هذا العامل هو الأهم في آلية الأسناخ. السيرفاكتانت هي مادة دهنية بروتينية تُفرزها الخلايا السنخية من النوع الثاني. وظيفتها الرئيسية هي تقليل التوتر السطحي (Surface Tension) على جدار الأسناخ الداخلي.

  • أهمية السيرفاكتانت: يساعد في نفخ الأسناخ (يمنع انهيارها أثناء الزفير) ويسهل انكماشها بطريقة متساوية ومنظمة. وبدون السيرفاكتانت، كان من الممكن أن تنهار الأسناخ الأصغر حجماً وتنقلب نحو الأسناخ الأكبر بسبب قوانين التوتر السطحي.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال