صعوبات تواجه دراسة الوراثة في الإنسان.. كثرة عدد الكروموسومات وتعقيد تركيبها



صعوبات تواجه دراسة الوراثة في الإنسان:
1- طول عمر الجيل في الإنسان.
2- قلة عدد الأفراد الناتجة عن التزاوج في الأسرة الواحدة.
3- كثرة عدد الكروموسومات وتعقيد تركيبها.
4- كثير من صفات الإنسان تخضع للجينات المتعددة.
5- صعوبة إخضاع الإنسان للتجارب الوراثية أو الزيجات التي يحددها الباحث.

إن دراسة الوراثة في الإنسان تعد عملية شاقة، يكتنفها الكثير من المصاعب نظراً لأن الإنسان يتميز ببطء النسل، مقارنة بغيره من الكائنات، كما يصعب التجريب فيه.
بالإضافة إلى أن معظم العائلات لا تتوفر لها سجلات وراثية تساعد في دراستها.

إن دراسة الوراثة في الإنسان تعد عملية شاقة، يكتنفها الكثير من المصاعب نظراً لأن الإنسان يتميز ببطء النسل، مقارنة بغيره من الكائنات، كما يصعب التجريب فيه.
بالإضافة إلى أن معظم العائلات لا تتوفر لها سجلات وراثية تساعد في دراستها.

وتشمل طرق دراسة أثر العوامل الوراثية ما يلي:
1- دراسات الأسرة.
2- دراسات التوائم.
3- دراسات التبني.

- دراسات الأسرة:
تُعد دراسات الأسرة من المناهج المستخدمة في دراسة توارث الصفات الجسمية والعقلية والنفسية، وانتقال هذه الصفات عبر الأجيال داخل الأسرة الواحدة.

وتسمى هذه الطريقة في بعض الأحيان بسجل النسب الوراثي أو شجرة العائلة.
وهذا السجل الوراثي يتتبع الصفات الوراثية وآثارها على مدى عدة أجيال متتالية داخل العائلة الواحدة.

كما يهدف أيضاً إلى تتبع بعض الصفات أو الأمراض والعيوب الوراثية، والتنبؤ باحتمال ظهورها في الأجيال التالية.
وفي دراسات الأسرة عامة يتم عمل سجل النسب الوراثي باستخدام مجموعة من الرموز تشير إلى أفراد العائلة.

فالمربع يستخدم كرمز يشير إلى الأب، أو إشارة للابن الذكر، بينما تُستخدم الدائرة للإشارة إلى الأم، أو الابنة.
كما يُشار إلى كل جيل بحرف روماني، بينما يشار لكل فرد في الجيل برقم عادي.

ويُستخدم خط يصل بين الأب والأم ينزل من منتصفه خط عمودي يتفرع منه الأبناء.
وإذا وُجدت الصفة الوراثية يظلل المربع أو الدائرة بغض النظر عن كون هذه الصفة سائدة أو متنحية.

ويعد عالم النفس الإنجليزي الشهير سير فرنسيس جالتون F. Galton (أبن عم دارون) أول من أستخدم طريقة النسب الوراثي.
كما يعد من الرواد الأوائل الذين تخصصوا في دراسة كيفية وراثة السلوك.

ولعل أكثر إسهاماته في هذا المجال -بالإضافة إلى إسهاماته العديدة في علم النفس- دراسته لوراثة الذكاء التي قدمها عام 1869، وقضى فيها قرابة الثلاثين عاماً لدراسة العوامل الوراثية.

وقد قام جالتون بالعديد من الدراسات التي هدف منها إلى دراسة الأساس الوراثي للعبقرية والتفوق العلمي والأكاديمي.

وأجرى الدراسة عن طريق مسح شامل للعديد من الأسر المختلفة التي تحتوي بين أفرادها على مشاهير العلماء، والأطباء، والكتّاب والسياسيين، والقضاة، ورجال العلم والفن في المجتمع الإنجليزي.

وجمع جالتون معلومات وفيرة عن 997 فرداً من هؤلاء المشاهير، الذين ينتمون لحوالي 300 أسرة.

ومن خلال ما رصده جالتون من تحليل البيانات التي حصل عليها، أستطاع أن يثبت أن الشهرة والعبقرية والتفوق إنما هي صفات تسري في عائلات بعينها، وأن هذا يعني أنها تنتقل وراثياً عبر أفراد هذه الأسر. وأنتهي جالتون إلى وجود عدد كبير من الأشخاص الأذكياء بين أقارب الشخصيات اللامعة عقلياً.

وأن هذا العدد أكبر بكثير من أن يُعزى للصدفة، أو للعوامل الاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي تتميز بها أسر هؤلاء الأفراد.

وأشار جالتون من خلال تحليلاته الإحصائية إلى أن معامل ارتباط ظهور أفراد أذكياء في أسر يوجد بها شخص متميز من الناحية العقلية، إنما يزداد إذا كانت العلاقات الأسرية في هذه الأسرة أقرب من الناحية الوراثية.
بمعني أن الصفة تظهر بشكل واضح بين الأب والأخ والعم وأبن العم، ويقل ظهورها كلما ابتعدت علاقة القرابة.

وبنفس الطريقة التي أجراها جالتون قام جودارد Goddard عام 1912 بدراسة تأثير الوراثة على صفة الضعف العقلي، وإنتقالها بين أفراد العائلة الواحدة، وذلك في المجتمع الأمريكي.

وقدم جودارد دراسته الشهيرة على أسرة عرفت في تراث علم النفس باسم (أسرة كاليكاك) Kalikak family.
وهذه الأسرة أنتشرت صفة الضعف العقلي في أحد فروعها، بينما أنتشرت صفة الذكاء العادي في الفرع الآخر.
وقد تتبع جودارد قصة هذه الأسرة وقام بدراستها.

وتتلخص هذه القصة في قيام علاقة جنسية غير شرعية بين الجد الأكبر للأسرة (مارتن كاليكاك) عام 1861 -وهو شخص عادي الذكاء- وفتاة ضعيفة العقل.

وأدت هذه العلاقة إلى إنجاب طفل ضعيف العقل (كاليكاك الإبن).
وعندما تزوج هذا الإبن بفتاة عادية الذكاء أنجب طفلاً ضعيف العقل أيضاً.
ثم تزوج الأخير فأنجب أطفالاً ضعيفي العقل.

واستمرت هذه الصفة في أفراد هذا الفرع، حيث بلغ عدد ذريته 480 شخصاً، من بينهم 143 من ضعاف العقول.
وهذا الفرع نشأ بطفل ضعيف العقل نتيجة علاقة غير شرعية بين فرد عادي الذكاء (كاليكاك الجد) وفتاة ضعيفة العقل.

ولكن كاليكاك الجد تزوج بعد علاقته غير الشرعية بفتاة عادية العقل، فأنجب طفلاً عادي الذكاء.
وعند زواج هذا الابن كانت النتيجة أطفالاً يحملون صفة الذكاء العادي.

وبهذا أصبح هناك فرعان لهذه العائلة: الأول تظهر فيه صفة الضعف العقلي، والثاني تظهر فيه صفة الذكاء العادي.
وقد تتبع جودارد أصل ومنشأ هذه الأسرة، وتوصل إلى أنها بدأت عام 1735 بزواج رجل عادي الذكاء يدعى كاسبار Kaspar، بفتاة عادية الذكاء أيضاً.

وكانت نتيجة هذا الزواج طفلاً عادياً.
وهذا الطفل تزوج عام 1765 بفتاة عادية فأنجب كاليكاك الجد الأكبر لقصتنا، والذي أقام علاقته غير الشرعية، وتزوج من فتاة عادية الذكاء لتكتمل أحداث القصة التي لخصناها سابقاً.

وخلص جودارد من هذين الفرعين في أسرة واحدة إلى أن الوراثة لعبت دوراً كبيراً في انتقال هاتين الصفتين المتناقضتين.
وقد انتقد علماء الوراثة دراسة جودارد من أول ظهورها.

فافتراض جودارد بأن الضعف العقلي ينتقل بواسطة جين متنحٍ يبدو في واقع الأمر أنه تبسيط خاطيء في ضوء المعلومات الحالية في علم الوراثة، خاصة وأن جودارد تمسك بضرورة أن يكون مارتن كاليكاك الجد حاملاً لجين متنح مسئول عن صفة الضعف العقلي، وأن هذا الجين هو المسئول عن تكرار ضعاف العقول في سلالته من علاقة غير شرعية بفتاة ضعيفة العقل.

فإذا كان هذا هو التفسير، فإن عدم وجود ضعف عقلي فى الفرع الآخر يصعب تفسيره في ضوء افتراض جودارد، فأين ذهب الجين المسؤول عن صفة الضعف العقلي، بحيث لا يظهر أي فرد في الفرع الآخر مصاباً به.

وعلى الرغم مما توصل إليه كل من جالتون وجودارد من التأثير الوراثي لصفة الذكاء أو الضعف العقلي، إلا أن الآراء حول هذه النتائج قد اختلفت.

فالبعض يرى أن الذكاء لا يتحدد بالوراثة فقط، ولكن تلعب البيئة دورها أيضاً في هذا الشأن.
فأسلوب دراسة الأسرة والنسب الوراثي يتميز بمشكلة محددة هي عدم القدرة على فصل التأثيرات الوراثية عن التأثيرات البيئية، وما يمكن أن تلعبه الأخيرة في تنشئة الفرد.

ويرى أصحاب وجهة النظر هذه أن الآباء الأذكياء لا ينقلون لأبنائهم الجين المسئول عن صفة الذكاء وحسب، وإنما يوفرون عادة لأبنائهم بيئة ومناخاً ملائمين لتنمية استعداداتهم الوراثية وتنشيطها.

بل إن الأمر لا يتوقف عند حد الذكاء فقط، وإنما يمتد ليشمل كافة الخصائص الوراثية. فالقدرة على المشي مثلا تعد صفة وراثية يولد الطفل مزوداً بها، ولكن إذا لم تسمح له البيئة بتنمية هذه القدرة، فإنه لا يستطيع المشي على قدميه كما هو مفروض.

ويزودنا التاريخ بحالة توضح هذا التأثير، وهي حالة طفل أفيرون المتوحش Aveyron’s Wild Boy أو ما عُرف في التراث العلمي لعلم النفس بطفل الغابة.

فقد عثر على هذا الطفل في غابة أفيرون القريبة من باريس عام 1799، وكان عمره يتراوح بين 11-12 عاماً. وكان أكثر توحشاً، وأكثر شبهاً بالحيوانات منه بالإنسان، حيث لم يكن قادراً على التحدث بلغة البشر، وكان يختار طعامه مستعيناً بحاسة الشم.

وقد وُضع هذا الطفل تحت الملاحظة، وحاول الطبيب الفرنسي إيتارد Itard الذي كان يتابع حالته أن يعلمه، ويكسبه خصائص السلوك الإنسان.

وقد وضع إيتارد برنامجاً تدريبياً خاصاً للصبي، كي يؤكد أن بالإمكان تعليم الأبله عن طريق تدريب الحواس.
واهتم بتنمية الجوانب الاجتماعية لديه، وتنمية حواس الشم واللمس والبصر، مع خلق الحاجات الإنسانية.

أي أنه حاول أن يقلل من الدوافع الحيوانية التي كانت موجودة لدى الطفل.
ورغم كل ذلك فقد أعلن بعد مضي خمس سنوات من الجهود المضنية عجزه عن إكساب الطفل أياً من هذه الصفات الإنسانية.

فهذا الطفل نشأ في بيئة الغابة، وعلى الرغم من أنه مزود وراثياً بالقدرة على الكلام، إلا أنه لم يتكلم كلام البشر لغياب هذا النوع من الكلام في البيئة التي يعيش فيها.

كما أنه كان مزوداً بالقدرة على المشي إلا أنه كان يسير على أربع كالحيوانات.
فمن أين له أن يكتسب الصفات الإنسانية دون أن يتعرض لمثيراتها.

ويحدث نفس الأمر فيما يتعلق بصفة الضعف العقلي، فالآباء ضعيفو العقل حين ينجبون، فإنهم عادة ما يربون أبناءهم في ظروف غير سوية، ومثل هذه الظروف قد تساعد في اضطراب سلوك الأبناء، وعدم تفتح قدراتهم العقلية.